البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
اليوم الدوليّ لإلغاء الرقّ كسر القيود: القضاء على الرقّ من خلال تحقيق أهداف التنمية المستدامة
28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019
فريق خبراء صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة
بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت
في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019
سعادة السفيرة اليزابيث وايلد المحترمة،
حضرة المتحدّثين الكرام،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،
يسرّنا أن نجتمع اليوم هنا للاحتفال باليوم الدوليّ لإلغاء الرقّ. لذلك، اسمحوا لنا أن نستهلّ كلمتنا بتذكير الجميع أن الرقّ ليس من أهوال الماضي الغابر بل ظاهرةً لا تزال حتّى اليوم تلوح في أفق كلّ منطقة من مناطق العالم، وربّما حتّى كلّ دولة من دوله. فوفقًا لتقديرات منظمة العمل الدوليّة، يُستعبد أكثر من 40 مليون من النساء والرجال والأطفال اليوم، ما يشكّل أكثر من 5 أفراد من بين كلّ ألف نسمة. واستنادًا إلى أبحاث أُجريت مؤخرًا في هذا الصدد، يعدّ ربع الناجين الذين فرّوا من الرقّ المعاصر من الأطفال، وما يقارب ثلاثة أرباع منهم من النساء والفتيات على حدّ سواء.
وتخضع النساء والفتيات إلى الاسترقاق الجنسيّ أو العمل المنزليّ غير المأجور، ويجبرن على تحمّل أعباء العمل القسريّ وغيره من أشكال الاستغلال الشديد الأخرى في ظلّ ظروف خطرة للغاية في الكثير من الأحيان يعملن في صددها على إنتاج سلع غالبًا ما نجدها في منازلنا أو مطابخنا، في الوقت الذي تخضع فيه أسرٌ تعمل في الحقول والمناجم، تمّ استعبادها مقابل ديون تحكّمت بها على مرّ الأجيال، إلى الإتجار، حيث يتمّ تجنيد أطفالها قسرًا لاستخدامهم في النزاعات المسلّحة، بمن فيهم الفتيان ككاشفي ألغام أو مقاتلين، والفتيات كضحايا اعتداءات جنسيّة يرتكبها الجنود في الكثير من الأحيان بحقهنّ.
وفي هذا السياق، يعدّ الاسترقاق أحد أخطر الانتهاكات المرتكبة بحقّ كرامة الإنسان وأكثرها شموليّةً. لذلك، لا بدّ من حظره بشكلٍ مطلق، باعتبار أنه قد يشكّل جريمةً ضدّ الإنسانيّة في ظلّ بعض الظروف المعيّنة. وبالتالي، يشكّل الاسترقاق المستمرّ لملايين البشر اتهامًا يطال كافة مجتمعاتنا، بحيث يحتاج كلّ من أولئك الذين نجوا من هذه التجربة المروّعة إلى الحصول على المساعدة اللازمة للتعافي وتأدية دور بارز في المجتمع، ما يشكّل، إذًا، إحدى أهداف صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة المنشودة.
فوفقًا للمقصد السابع من الهدف الثامن من أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وعدت كافة الدول بـ"اتّخاذ تدابير فوريّة وفعّالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرقّ المعاصر والإتجار بالبشر لضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال" قبل حلول العام 2030. وبالتالي، تتناول الخطة إمكانيّة القضاء على أشكال الرقّ المعاصرة كجزءٍ لا يتجزأ من مسيرة الكفاح الأوسع نطاقًا الرامية إلى مكافحة الفقر والتخلّف وعدم المساواة بين الجنسين، وإلى تحقيق التنمية القائمة على احترام حقوق الإنسان، في الوقت الذي تسعى فيه أيضًا إلى توفير إطار عمل لكافة الجهات المعنيّة، بمن فيهم الناجين الذين فرّوا من الرقّ، من أجل بناء التحالفات اللازمة ومعالجة الأسباب الجذريّة الكامنة وراء ذلك والتصدّي لها.
وبالتالي، تسعى خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى تحديد إطار زمني للوفاء بالتزاماتها العالميّة وتحقيق أهدافها المنشودة تبلغ حدوده عشر سنوات.
أصحاب السعادة،
غالبًا ما يشكّل التمييز الهيكليّ عاملاً مساهمًا في تعزيز الرقّ المعاصر. وكثيرًا ما يتعرّض ضحايا الاسترقاق، بمن فيهم الأطفال، لسنواتٍ وسنوات، وحتّى أجيال عديدة، إلى مختلف أشكال التمييز المتعدّدة والمتداخلة التي تعذرت الدول عن حمايتهم منها، بحيث قد يكون ذلك قائمًا على اختلاف النوع الاجتماعيّ ومستوى الفقر والعرق والدين ووضع الشعوب الأصليّة والطوائف الإثنيّة وأصول الرقاء. لذلك، يتعيّن على كافة الدول أن تتّخذ إجراءات محدّدة لوضع حدّ لأشكال التمييز الضارة للغاية هذه التي تشكّل انتهاكات أساسيّة لحقوق الإنسان، وبالتالي تعرّض الشعوب لخطر الاستغلال وإلحاق الأذى بهم.
فمن خلال تعزيز التنمية المستدامة الشاملة وموقع كلّ من تُركوا خلف الركب في صميم أعمال التنمية هذه، تشكّل خطة التنمية المستدامة لعام 2030 دليلاً لم يسبق له أيّ مثيل، يضمّ عددًا من الإجراءات والموارد اللازمة لإنهاء التمييز، ومعالجة دوافع البؤس الاجتماعيّ الاقتصاديّ والتصدّي لها، وتحديد الأسباب الجذريّة التي تزيد من تعرّض الشعوب للاسترقاق والقضاء عليها.
وكذلك، تشكّل النزاعات وانتهاكات القانون الدوليّ الإنسانيّ والإخفاقات في تأمين الحماية القانونيّة والماديّة للمهاجرين مجموعةً أخرى من العوامل الهيكليّة التي تساهم في استمرار ظاهرة الرقّ. وفي هذا السياق، أفادت دراسة مشتركة أجرتها المنظمة الدوليّة للهجرة بالتعاون مع "التحالف 8.7" هذا العام أن المهاجرين، بمن فيهم اللاجئين، معرّضون، وبشكلٍ خاص، للإتجار بالبشر والاسترقاق في ظلّ ظروف من العنف والصراع شهدتها دولهم قبل انهيارها فعليًّا. وإثباتًا لذلك، تلقّت فرق الرصد التابعة لمفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان مرارًا وتكرارًا معلومات واردة في هذا الشأن من مهاجرين، لا سيّما أطفال، كانوا محتجزين في ظلّ ظروف غير إنسانية ومهينة خضعوا لها خلال فترات النزاع وحتّى أثناء رحلاتهم بحثًا عن مأوى يحميهم من مثل هذه الممارسات.
ويؤكّد ذلك على الحاجة الملحّة إلى التصدّي لخطر الرقّ المعاصر في سياق الأعمال الإنسانيّة المضطلع بها خلال الصراعات والأزمات. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن 11 مشروعًا من بين ما وصل إجمالي عدده إلى 29 مشروعًا دعمه صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة هذا العام قد عمل في ظلّ بيئات إنسانيّة محدّدة.
وكذلك، يدعم صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة مشاريع تحارب ظاهرة الرقّ المنتشرة في سلاسل التوريد، بما في ذلك تلك المتعلّقة باستخراج المواد الخام أو إنتاجها وتصنيعها وتوزيعها. وينطوي ذلك على دعم مبادرات يقودها العمّال وضمان مشاركتهم الفعّالة في هذه المشاريع، وذلك سعيًا إلى التصدّي للأضرار التي لحقت بضحايا عمالة الأطفال والعمل القسريّ.
لذلك، لا بدّ لإجراءات القادة والمحاورين المتّخذة لإنهاء الرقّ من أن تركّز على الناجين، وذلك نظرًا لتمتّعهم وحدهم بالقدرة على تحديد كلّ من آثار هذه الممارسات وأسبابها الجذريّة. وفي ظلّ هذه الظروف السائدة، تأثرنا جميعًا بقصص هؤلاء الناجين، لا سيّما إحدى الفتيات الصغيرات التي لن نفصح عن اسمها والتي تعرّضت منذ سنّ العاشرة لعدّة أشكال من الرقّ، بما في ذلك العمل القسريّ والإكراه على الدعارة، وذلك قبل أن تحصل على مأوى ملائم لها وتتلقّى المساعدة الطبيّة والنفسيّة المنشودة، لا سيّما للتصدّي للصدمات النفسية المحتملة وإمكانيّة التعرّض لفيروس نقص المناعة البشريّة، وذلك بفضل جهود إحدى المنظمات غير الحكومية التي يدعمها صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة. واليوم، تبلغ هذه الفتاة 13 عامًا، وبدأت صحتّها تتحسّن وترتاد المدرسة كغيرها من الأطفال الآخرين.
فمنذ العام 1991، منح صندوق الأمم المتّحدة الاستئمانيّ للتبرّعات الخاص بأشكال الرقّ المعاصرة أكثر من 4 ملايين دولار لـ450 منظمة قائمة في 95 دولة مختلفة. ومع ذلك، تعدّت الاحتياجات المحدّدة ذلك بكثير؛ فوفقًا لتقديرات مجلس الإدارة، يحتاج الصندوق إلى مليوني دولار كتبرّعات سنويّة للنجاح في الوفاء بالتزاماته على النحو المطلوب إزاء عدد ضئيل فحسب من الضحايا الذين قدّر عددهم بـ40 مليون نسمة. وحتّى الآن، جمعنا 600,000 دولار لتغطية أعمال الصندوق خلال العام 2020، إلّا أنّنا لا نزال بحاجةٍ إلى الحصول على دعم إضافيّ من الدول الأعضاء للنجاح في تحقيق أهدافنا المنشودة.
أصحاب السعادة،
يشكّل الرقّ المعاصر إهانةً لحقوق الإنسان والمساواة بين البشر ولكلّ مبدأ تستند إليه الأمم المتّحدة. لذلك، تعدّ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 فرصةً مميّزة لتسريع وتيرة الجهود المبذولة في مختلف أنحاء العالم للقضاء على الرقّ المعاصر. ها نحن هنا اليوم نرحّب بالمبادرات المتعدّدة الجهات، كـ"التحالف 8.7" المعنيّ بحشد الدعم والموارد اللازمة لتحقيق المقصد السابع من الهدف الثامن من أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
لذلك، لا بدّ لنا من المضيّ قدمًا بكلّ عزم وإصرار لوضع حدّ لكافة أشكال الرقّ والممارسات الشبيهة به، تجسيدًا لسعينا الدؤوب إلى تحقيق ذلك في عضون عشر سنوات من اليوم. فقد حان الوقت الآن، أكثر من أيّ فترة مضت، لتحقيق هذا الوعد الصادق والوفاء به.
وشكرًا.