بيانات صحفية آليات متعدٓدة
نقاش طارئ بشأن الغوطة الشرقيّة
سوريا: نقاش طارئ
02 آذار/مارس 2018
الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان
بيان مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين
في 2 آذار/ مارس 2018
حضرة الرئيس المحترم،
أصحاب السعادة،
سكّان الغوطة الشرقيّة تحت الحصار منذ أكثر من نصف عقد. وقد عانوا الضربات الجويّة والقصف، وأفادت تقارير، في أكثر من المناسبة، بأنّهم ماتوا اختناقًا بعد تنفّسهم موادًا سامة. كما اختبروا شتّى أنواع الحرمان، من دون تلقّيهم أيّ مساعدة منذ شهر تشرين الثانيّ/ نوفمبر، باستثناء تمكّن قافلة مساعدة وحيدة من الوصول إلى 7,200 شخص فقط، وذلك في 13 شباط/ فبراير. وكنتيجة مباشرة لهذا الوضع، آلاف الآلاف من أطفال الغوطة الشرقيّة يعانون سوء تغذية حاد وحالات صدمة عميقة. وها هم اليوم يواجهون أفظع أشكال الاعتداءات خلال هذه الحرب الأهليّة العنيفة الطويلة الأمد.
لقد وصلتنا تقارير تفيد بتعرّض المستشفيات والمدارس والأسواق إلى ضربات جويّة وبصورة مستمرّة خلال الأسابيع الأخيرة. وقد أشار فريق المبعوث الخاص إلى تعرض 14 مستشفى وثلاثة مراكز صحيّة وسيّارتَي إسعاف إلى ضربات بين 18 و22 شباط/ فبراير. كما أفادت التقارير بأنّ العديد من المدنيّين ومن بينهم ستّة أطفال، عانوا، في 25 شباط/ فبراير في منطقة الشيفونية، مشاكل تنفّسيّة خطيرة بسبب تفشّي مواد سامة عقب الضربات الجويّة. ومن المتداول أنّ طفليْن من الأطفال المصابين قد ماتوا. وتجدر الإشارة إلى أنّ مجموع الخسائر في الأرواح في الغوطة الشرقيّة هو الأعلى من بين المعدّلات المسجّلة خلال سنوات النزاع السبع الماضية. فمَن كان يعيش في السابق في ضاحية عادية – هم بشر يتشاركون حقوقنا وآمالنا – أمسى اليوم عالقًا يتعرّض لوابل من القذائف، محرومًا من كامل حقوق الإنسان – وأوّلها الحقّ في الحياة.
لقد اعتمد مجلس الأمن أخيرًا القرار رقم 2401 (2018) منذ ستّة أيّام. ففرض على كافة الأطراف في النزاع السوريّ أن يوقفوا مباشرة كافة الأعمال العدائيّة مدّة 30 يومًا متتاليًا أقلّه، فتتمكّن المساعدة الإنسانيّة من الوصول إلى المنطقة وإجلاء الحالات الحرجة من المرضى والجرحى. وعلى الرغم من هذا المثال الفريد عن الإجماع الذي حصل، أفاد السكّان المدنيّون في الغوطة الشرقيّة باستمرار الضربات الجويّة والقصف. وقد تكلّمنا مع أشخاص متواجدين في الغوطة الشرقيّة فأكّدوا أنّهم يخافون الخروج من الملاجئ بسبب الضربات الجويّة والهجمات الأرضيّة المستمرّة، والشكّ المطلق في ما سيجري في حال نجحوا في البقاء على قيد الحياة. وتُبيّن الصور الساتيليّة التي تَعرض هول الدمار الذي ضرب المدن المنتشرة في الغوطة الشرقيّة، مدى خطورة أي محاولة هروب.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الروسيّة عن هدنة تمتدّ على خمس ساعات من أجل السماح بوصول المساعدة الطبيّة والإنسانيّة، لا تزال الضربات الجويّة والهجمات الأرضيّة مستمرّة – بالإضافة إلى تعرّض المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في دمشق إلى القصف؛ كما تلقّى مكتبي تقاريرًا تشير إلى مقتل مدنيّ وجرح خمسة آخرين جرّاء هجوم أرضيّ وقع هناك في 27 شباط/ فبراير. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الوكالات الإنسانيّة بكلّ وضوح أنّه من المستحيل تأمين الإغاثة خلال خمس ساعات لأن مجرّد عبور الحواجز قد يستغرق يومًا كاملاً.
لم يهدف وقف الأعمال العدائيّة الذي نصّ عليه القرار 2401 إلى وقف العمليّات ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة، والقاعدة، وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات. ولكن، وبحسب ما أشار إليه وكيل الأمين العام، جفري فيلتمان، أمام مجلس الأمن منذ يومَيْن، فإنّ "حجم هجمات الحكومة العسكرية العشوائيّة على الغوطة الشرقيّة، وهي منطقة تضمّ 400,000 مدنيّ، لا يمكن أن يبرّره استهداف مقاتلي جبهة النصرة." وتمامًا كما جاء على لسان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانيّة مارك لوكوك، في حال لم تتمكّن المساعدة الإنسانيّة من الوصول إلى المنطقة فإنها ستشهد "المزيد من القصف. والمزيد من الاقتتال. والمزيد من الموت. والمزيد من الدمار. والمزيد من تشويه النساء والأطفال. والمزيد من الجوع. والمزيد من البؤس. وبكلمة واحدة، المزيد المزيد ممّا يجري حاليًّا."
سيّدي الرئيس،
لا بدّ لي من أن أشدّد، مرّة جديدة، على أنّ ما نشهده في الغوطة الشرقيّة وغيرها من المناطق السوريّة، يرقى إلى جرائم حرب، ولربّما إلى جرائم ضدّ الإنسانيّة، حيث يستمر قصف المدنيّين حتّى استسلامهم أو قتلهم. فليعلم مرتكبو هذه الجرائم أنّه يتمّ تحديد هويّاتهم؛ وأنّ ملفّات تُعَدّ بهدف ملاحقتهم؛ وأنّهم سيُحاسَبون على أفعالهم.
لا يظنّن أحد بأنّ المرتكبين سيفلتون من العقاب. فغيرهم من قبلهم ظنّوا ذلك أيضًا، واعتبروا أنفسهم وطنيّين – قبل توقيفهم. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، أُدين الجنرال الصربي البوسني راتكو ملاديك بارتكاب إبادة جماعيّة، وجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، منذ أكثر من ربع قرن. كما سُلّم الكولونيل السلفادوري أينوسنتي أورلاندو منتانو إلى إسبانيا ليُحاكم بتهمة قتله ستة كهنة يسوعيّين، ومدبّرة المنزل العاملة لديهم وابنتها، في السلفادور في العام 1989. وأدين نقيبَيْن أرجنتينيَّيْن سابقَيْن في البحريّة، هما ألفريدو أستيز وخورخي إدواردو أكوستا، لارتكابهما جرائم ضدّ الإنسانيّة بين العامَين 1976 و1983. قد تكون عجلات العدالة بطيئة ولكنّها ستطيح بالمجرمين لا محالة. لهذا المجلس قدرة حقيقيّة على التأثير فعلًا، وضمان تحقيق عدالة حازمة، لا مفر منها وفاعلة– للتسبّب بالمعاناة التي عاشها الشعب السوريّ.
لا بدّ من إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة. فمساعي عرقلة سير العدالة وحماية المجرمين مخزية. لذا، أحثّ كافة الدول على أن تدعم كلّ الدعم الآليّة الدوليّة المحايدة والمستقلّة التي تمّ إنشاؤها السنة الماضية. وتركّز ولايتها على ضمان جمع المعلومات حول الجرائم الخطيرة المرتكبة، وتحليلها وحفظها، بهدف إعداد ملفّات وملاحقة المرتكبين في المستقبل. هذا العمل أساسيّ لا غنى عنه، وهو يكمّل العمل المميّز الذي تنجزه لجنة التحقيق المستقلّة الدوليّة في سوريا التابعة إلى المجلس. وأشجّع المجلس كلّ التشجيع على تجديد ولاية لجنة التحقيق في سوريا خلال هذه الدورة. ومكتبي مصرّ، من جهته، على استكمال عمليّات الرصد والمراقبة ورفع التقارير وأعمال الإنذار المبكرة، التي يقوم بها. فهذه العمليّات الثلاث، على الرغم من أنها منفصلة، تدعم بعضها البعض، وتهدف إلى الوقاية من معاناة إنسانيّة أفظيع بعد في المستقبل، والتأكيد على أنّ العدالة ستتحقّق حتمًا.
وشكرًا.