البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
اجتماع مع المنظّمات غير الحكوميّة
"التغيير آتٍ لا محالة"
13 أيلول/سبتمبر 2018
بيان لمفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه
في 13 أيلول/ سبتمبر 2018
لطالما تطلّعت إلى عقد هذا الاجتماع. ويسرّني كثيرًا أن أشارك في ما أتمنّى أن يكون علاقات عمل وطيدة مع أشخاص ومنظّمات بهذا القدر من الأهميّة بالنسبة إلى عمل مفوضيّتنا.
وبصفتكم شركاءنا، وحلفاءنا وناقدينا البنّائين المستنيرين، قد يكون العديد منكم على اطّلاع على العمل الذي تقوم به المفوضيّة أكثر ممّا أنا عليه، بعد مرور بضعة أيّام على توليّي هذا المنصب. وأدرك تمامًا أننّي بحاجة إلى مساعدتكم ونصائحكم، وأشكركم على العديد من الرسائل المفيدة التي وصلتني.
كلّنا على علم بأنّنا نواجه أوقات صعبة على حقوق الإنسان، وذلك بعد مرور 70 عامًا على اعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. ولا بدّ من تأمين أوسع قدر ممكن من الحيّز الديمقراطيّ والمدنيّ من أجل التصدّي لكافة التحديّات المعاصرة التي تواجه كل مجتمع – إن على مستوى التغيّر المناخيّ، أم أشكال النزاعات الجديدة، أم التحديّات الرقميّة، أم عدم المساواة المتجذّرة في المجالات الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ. فالمجتمع المدنيّ يلعب دورًا أساسيًّا في النهوض بحقوق الإنسان كافة، والدفاع عن التنوّع وإعداد سياسات أفضل وأكثر فعاليّة، وفي ضمان مسائلة الدولة. ولا يتعرّض حيّز المجتمع المدنيّ إلى التآكل فحسب، بل إنّه، في العديد من البلدان يتمّ القضاء عليه.
وفي الواقع، تُستَخدَم التكنولوجيا الجديدة استخدامًا سيّئًا بهدف بناء جدران رقميّة وبقصد المراقبة. كما أنّ القيود المفروضة على تسجيل الأعمال التي تقومون بها، وتمويلها تزداد صرامة: ففي العديد من الحالات، يُجرَّم النشاط والانتقاد المشروعَيْن باعتبارهما خيانة أو حتّى إرهاب. ولم تعد الحكومات تحمي الناشطين حماية كافية، حيث يتعرّض العديد منهم إلى حملات تشهير أو تهديد أو عنف – لا بل يتمّ اغتيالهم حتّى. وأدرك تمامًا أنّ العديد من المدافِعات عن حقوق الإنسان يواجه مخاطر متزايدة، لا سيّما أولئك اللواتي يناضلْنَ من أجل الحقوق الجنسيّة والإنجابيّة، والمساواة بين الجنسَيْن عامةً – وهي قضايا أَعْتَبِرها من القضايا الجوهريّة.
وفي العديد من البلدان، تتفاقم الأعمال الانتقاميّة والترهيبيّة الموجّهة ضدّ ضحايا الانتهاكات والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يتعاونون معنا أو مع الأمم المتّحدة وآليّاتها وممثّلها في مجال حقوق الإنسان.
ومن بين التحدّيات التي تواجه العديد منكم، والعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم، عدم الاعتراف بالعمل الذي تنجزونه – أو ما هو أسوء من ذلك حتّى، وصم ما تقومون به أمام الرأيّ العام.
علينا أن نحشد دعم الرأيّ العام. علينا أن نلفت انتباهه إلى أهميّة عملنا، وضرورة مقاومة التدابير والضغوط التي تقضي على الحيّز المدنيّ.
وعلينا أن نعمل معًا – وأن تدعم مفوضيّتنا ومنظّماتكم بعضها البعض في المشاركة والمساهمات.
سواء أكنتم تعملون في مجال قضايا الشعوب الأصليّة، أم قضايا المرأة، أم المناخ، أم الفضاء الإلكترونيّ، أم التمييز، أم الحق في الأراضيّ، أم حقوق امرأة، أم المهاجرين أم المحرومين من حريّتهم، تبقى الحقوق الأساسيّة في التعبير عن الرأيّ وتكوين الجمعيّات والتجمّع السلميّ أساسيّة لكلّ واحد منكم.
ندرك تمامًا الكلفة الباهظة التي يتكبّدها الكثير من الناشطين لقاء الجهود التي يبذلونها. واعتبارهم أبطالاً لا يفيهم أبدًا حقّهم. علينا أن نجعل نضالهم يساوي الجهد والكلفة التي يدفعونها. وليس بناء مجتمعات عادلة وشاملة – على أساس احترام حريّات كلّ فرد من أفرادها وحقوقه – إلاّ السبيل الوحيد إلى التنمية والسلام الحقيقيَّيْن. والتغيير آتٍ لا محالة: أؤمن بذلك حقًا. ففي أكحل أيام الدكتاتوريّة في شيلي، تتطلّب العمل من أجل حقوق الإنسان الكثير من الشجاعة والبسالة، وكلّف الكثير من الآلام والمآسي. ولكنّ النضال حقّق النجاح.
يمكننا أن نقاوم: وعملكم أقوى دليل على ذلك. ودور مفوضيّتنا هو أن تدعمكم. وأن ترفع الصوت حيثما لا تستطيعون؛ وأن تصدح بأصواتكم؛ وأن تبني قدراتكم؛ وأن ترصد وتوثّق الانتهاكات والتجاوزات.
يمكن المفوضيّة أيضًا أن تلعب دورًا في ترسيخ أولوياتكم في عمل هيئات الأمم المتحدة. فعند إدخال المجتمع المدنيّ إلى المعادلة، تصبح جهودنا من أجل تحقيق التنمية والسلام والأمن أكثر فعاليّة واستدامة. وعلينا أن نوسّع حيّز الجهات الفاعلة من المجتمع المدنيّ، انطلاقًا من مستوى الأفرقة القطريّة للأمم المتّحدة وصولاً إلى المنظّمات الحكوميّة الدوليّة وذلك على أرفع مستوى، كي ننقل أصواتها بطريقة أكثر استمراريّة وقوّة – وليس إحسانًا منّا لكم، بل لأنّ مساهماتكم توسّع أثر كامل أعمال الأمم المتّحدة.
نعلّق أهميّة كبرى على الشراكة التي تجمعنا – على أساس توجيهات القوانين والمعاهدات الدوليّة التي تحدّد التزامات الدول، والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي يحدّد التدابير التي تبعد المجتمعات عن الدمار.
من الضروريّ أن نعمل جميعًا على تعزيز حقوق الجهات الفاعلة من المجتمع المدنيّ والمدافعين عن حقوق الإنسان، من أجل رفع صوتهم والدفاع عن الحقوق في كلّ مجتمع حول العالم. فكلّ من سيادة القانون المحايدة، واحترام الحريّات الأساسيّة ركيزة الحيّز المدنيّ – وهي حريّات التعبير والتجمّع السلميّ وتكوين الجمعيّات، ومبدأ مشاركة الرأي العام في صنع القرار – يشكّل حجر الزاوية في المجتمعات السليمة والصحيّة.
إليكم الأهداف التي ستدير عملنا: منع وقوع انتهاكات حقوق الإنسان، وحماية الحقوق وتعزيزها، وذلك عبر الرصد غير المنحاز؛ والمساعدة الموجّهة؛ والمناصرة.
نواجه تحدّيات واسعة النطاق. ولكن، مَن يدافع عن كرامة المتروكين، ويحاسب مَن ارتكب ظلمًا، هو من يحقّق الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. وبينما أنطلق في رحلتي كمفوّضة سامية، أتمنّى أن تمدّوني بالنصح والإرشاد. وأنا متأكّدة من أنّكم ستدعمون عملنا. وأتطلّع إلى توسيع شراكاتنا. كلّي الآن آذان صاغية لأصواتكم.
وشكرًا.
الصفحة متوفرة باللغة: