البيانات والخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
إحاطة غير رسميّة لأعضاء مجلس حقوق الإنسان، في 4 أيلول/ سبتمبر 2019
04 أيلول/سبتمبر 2019
ملاحظات خاصّة ببيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت
يسرّنا جدًا أن نعقد جلسة الإحاطة هذه غير الرسميّة قُبَيْل انطلاق مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ42.
لقد مرّ عام على ولايتنا، ونحن بصدد تقييم الاستراتيجيّات التي نستخدمها في مساندة الدول على صون حقوق الإنسان. ونتساءل بكلّ بساطة ما هي الاستراتيجيّات الناجحة ولماذا، وما الذي لا ينفع وكيف يمكن إصلاحه.
مهمّتنا ليست بِيَسيرة. وعلينا أن نعالج قضايا حقوق الإنسان القديمة والجديدة، والعديد منها هائل الحجم والنطاق. ويحتّم هذا الواقع عقد الشراكات. ولكنّ التعاون ينطوي على تنازلات يقدّمها جميع الأطراف، ولكنه يضمن إحراز التقدم.
كلّنا قناعة بأنّ التقدّم في مجال حقوق الإنسان في متناولنا، حتى في السياقات الصعبة السائدة اليوم. فلنتأمّل دقيقة في العقود الأخيرة التي شهدها كلّ بلد من بلداننا.
ففي السنوات الخمسين الماضية، انتقل عدد من الدول من الديكتاتوريّة إلى الديمقراطيّة، ومن بينها بلدي أنا شخصيًّا. كما مَنَح آخرون حقوقَ التصويت والمشاركة الكاملة، لمجموعات كبيرة من الأشخاص حرموا منها في السابق، بمن فيهم نصف سكّان العالم أيّ النساء، وذلك في العديد من بلداننا. وأخرجت بعض البلدان ملايين الناس من الفقر، ومكّنتهم من الوصول إلى التعليم العاليّ، والرعاية الصحيّة الجيّدة النوعية وقدر أكبر من الكرامة الإنسانيّة.
وتحقّقت هذه مكاسب هائلة لقضيّة حقوق الإنسان على الرغم من تحدّيات هائلة. وعزّزت مجتمعاتنا، وفتحت الطريق أمام النمو الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ.
بصفتنا مفوضًا ساميًّا، نحن ملتزمون العمل مع الدول الأعضاء من أجل إعادة بناء التوافق المترسّخ في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، بإنّ جميع الدول ملزمة باحترام الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والمدنيّة والسياسيّة، بغض النظر عن نوع الحكومة أو النظام الاقتصاديّ أو الثقافة أو التقاليد.
يُعتَبَر احترام حقوق الإنسان واجبًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا، ووسيلة عمليّة تساهم في التنمية المستدامة والسلام الدائم والبيئة المستدامة خدمةً لمصالحنا جميعنا. ونرفع في كلمتنا نهار الاثنين عددًا من التوصيات حول العمل المناخيّ الذي أمسى قضية ملحّة للغاية في أيّامنا هذه.
سنرفع عددًا من التوصيات، أكّد عليها الكثير من الخبراء، لأنّه يمكن القضاء على أيّ مكاسب تحقّقت في سياق خطة العام 2030 بسبب الفشل المستمرّ في التخفيف بشكل عاجل من التغيّر المناخيّ ومساعدة الفقراء الذين هم أقلّ من ساهم في تغيّر المناخ، على التكيّف مع عواقبه التي تهدّد حقوقهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة الأساسيّة.
الشراكة والحوار
نحن ملتزمون كلّ الالتزام بالشراكة والحوار مع الدول التي تتحمّل المسؤوليّة الأساسيّة بصون حقوق الإنسان. فعلى الدول أن تحمي حقوق شعوبها.
عندما تأتي أوجه القصور في مجال حقوق الإنسان نتيجةَ نقص في الموارد والقدرات والمؤسسات، علينا أن نقدّم المساعدة من خلال التعاون التقنيّ والوساطة وغيرها من الأدوات المتوفّرة الأخرى. ولكن لا يمكننا أن نعزّز الزخم الإيجابيّ المنتشر وننهض بحقوق الإنسان حيثما تدعو الحاجة، إلاّ في حال توفّرت لدى الجهات الفاعلة الأساسيّة الإرادة السياسيّة ووسائل الدعم.
ومن أوّل المداخل الأساسيّة لإشراك الدول والأطراف المعنيّين الآخرين الاستعراض الدوري الشامل، الذي بلغ حاليًّا منتصف دورته الثالثة، ويؤدّي إلى عدد كبير من التوصيات تقبلها مختلف الحكومات.
ومن المداخل الأخرى التعليقات المهمّة التي نتلقّاها خلال بعثاتنا ومهمّاتنا المختلفة، والمناقشات الأساسيّة التي نجريها معكم، ومع قادة العالم، وضحايا الانتهاكات والعديد من الجهات الفاعلة الأخرى في المجتمع المدنيّ. لقد تلقّينا قدرًا كبيرًا من التعليقات. ونحن ممتنّون لكلّ مساهمة قدمّتها الجهات المختلفة، ونشكرها على الوقت الذي كرّسته لتبادل الآراء، ونؤكّد أنّنا نعتمد على مشورتها ونقدّرها.
في بعض الحالات كانت المساهمات أساسيّة، وشجّعت على تغيير المقاربة والنهج. لقد فكّرنا كثيرًا في هذه التعليقات واتّخذنا إجراءات على أساسها.
ولا نزال ملتزمين عمليّات الحوار القائم على الاحترام والشراكات الوثيقة المبرمة في العديد من المجالات المختلفة، منها التغيّر المناخي وعدم المساواة وحقوق الشركات وحقوق الإنسان، ويمكننا أن نشهد أنّها بدأت تعطي ثمارًا.
قد ينطوي حوارنا مع مختلف الجهات الفاعلة على النقد المحترم والبنّاء. ويمكن أن يجري وراء الأبواب المغلقة، ولكن حيثما لا تكون الدبلوماسيّة الهادئة فعّالة، قد نرفع الصوت للمطالبة علنًا بحقوقنا. فمفوضيّتنا تعمل من أجل شعوب العالم، ونحن ندين لها بالمعلومات. ونعتبر أنّ رسائلنا ودعواتنا واضحة وموضوعيّة وقويّة.
نفضح أمام الرأيّ العام الانتهاكات، ولكنّنا ننشر أيضًا إرشادات مفصّلة وقابلة للتنفيذ بشأن سبل النهوض بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة والسلام. ونسلّط الضوء على الإجراءات الإيجابيّة ونحيّيها. ومن الأمثلة الواضح على ذلك أدوات التوجيه والتدريب الأساسيّة التي نقوم بإعدادها حول كيفيّة دمج حقوق الإنسان في عمل سلطات إنفاذ القانون ومن ثمّ بناء القدرات.
استعراض هيئات المعاهدة
نستعرض العام المقبل هيئات المعاهدة. وتشكل المعاهدات الدوليّة لحقوق الإنسان وأحكامها القضائيّة العمود الفقري القانونيّ لهيكليّة حماية حقوق الإنسان بأكملها. فأيّ تآكل في نظام هيئات المعاهدات يقوّض كلّ ما نقوم به كأطراف فاعلة في مجال حقوق الإنسان، انطلاقًا من الاستعراض الدوري الشامل، وصولاً إلى هيئات الخبراء وتقصي الحقائق، مرورًا بمساهمتنا في إعداد القوانين والسياسات الوطنيّة.
يمثل الاستعراض المقبل لنظام هيئات المعاهدات فرصة للاجتماع وتبسيط الإجراءات وتنسيقها، وتعزيز تأثير مداولات اللجان على أرض الواقع.
تدركون أنّ تمويل الجمعيّة العامة لم يواكب أبدًا تكثّف أعمال هيئات المعاهدات. كما لا تُمَوَّل تحقيقات اللجان في الانتهاكات الجسيمة أو المنهجيّة لحقوق الإنسان بشكل كافٍ. وأمس عبء عمليّات المصادقة الجديدة المستمرة وغيرها من العمليّات الأخرى في مفوضيّتنا لا يُحتَمَل.
إنّ تراكم القضايا الفرديّة التي تنتظر المعالجة يجبر العديد من رافعي الشكاوى الفرديّة على الانتظار لأكثر من أربع سنوات قبل اتّخاذ أيّ قرار بشأن شكاواهم. كما قد يستغرق رفع توصيات إلى الدول بشأن البحث عن مفقودين، عملاً بالإجراءات العاجلة للجنة الاختفاء القسري، أشهرًا طويلة. ويشكّل هذا الواقع أزمة مصداقيّة لنا وللدول على مستوى فعاليّة نظام الحماية هذا.
وبالتاليّ تبحث مفوضيّتنا عن حلول مؤقّتة تخفّف من هذه المشاكل، بما في ذلك تحويل أموال من خارج الميزانيّة بهدف معالجة بعض الثغرات الأكثر أهميّة، على حساب أنشطة حماية أخرى، من دون أن يساهم ذلك في حلّ المشاكل الهيكليّة الكامنة.
نرحّب برؤية رؤساء هيئات المعاهدة، وبأنّها تعكس العديد من النقاط المهمّة التي أثارتها ورقة كوستاريكا غير الرسميّة وأقرّتها أكثر من 40 دولة. وتشمل ضرورة معالجة النقص في الموارد، والانخراط أكثر في المناطق والمشاركة في الآليات الإقليميّة، واحترام الدول التزاماتها بتقديم التقارير بشكل أفضل. ولا يجدر بالدول الأعضاء أن تسعى إلى التهرّب من المراقبة عن طريق عدم رفع تقاريرها.
الميزة الرئيسة لهيئات المعاهدات هي عضوّيتها. ويمكن أن تساعد الدول الأعضاء على تحسين التوازن بين الجنسين ودعم استقلاليّة الأعضاء وخبراتهم، من خلال اعتماد عمليّات شفّافة لتقديم المرشحين.
قضايا المجلس
في هذا السياق، نودّ أن نشيد بالعمل البناء الذي قامت به عدّة بلدان تماشيًا مع عدد من القرارات المهمّة التي اتّخذها هذا المجلس. ومن الأمثلة على التعاون البنّاء من أجل تعزيز حقوق الإنسان لعدّة ملايين من الأشخاص الاتفاق على الولاية المعنيّة بالميل الجنسيّ والهويّة الجنسانيّة خلال جلسة حزيران/ يونيو.
وفي الآونة الأخيرة، جذبت أعمال الإجراءات الخاصة الكثير من الانتباه. نقدّر كلّ التقدير الخبراء الذين يسميهم هذا المجلس. فعملهم قيّم جدًّا لقضيّة حقوق الإنسان. وقد كان صوتهم المستقلّ حاسمًا في أكثر من مناسبة، وغالبًا ما كانوا مصدر إجراءات مهمّة اتّخذها المجلس. وقد عمل المكلّفون بولايات بكفاءة وخبرة كبيرتَيْن، على الرغم من شغلهم مناصب صعبة وغير مدفوعة. وزاروا مجموعة كبيرة من البلدان، وتعاونوا مع جميع أصحاب المصلحة المعنيّين، وساهموا في تعميم مراعاة حقوق الإنسان ضمن الأمم المتّحدة وخارجها.
حتّى أنّ بعضهم تعرّض لهجمات وتهديدات غير مقبولة.
وكما هي الحال على مستوى جميع الأنشطة البشريّة المعقّدة، قد تنشأ حالات سوء تفاهم أو تُرتَكَب بعض الأخطاء، وعادة ما يتم التغلب عليها عبر الحوار والمناقشة مع المكلّفين بالولايات المعنيّة ولجنة التنسيق الخاصة بهم، وفي بعض الأحيان مع مفوضيّتنا. وفي حالات نادرة جدًّا، بقيت الخلافات قائمة، ما أدى، ولسوء الحظّ، إلى انتقاد بعض الدول نظام الإجراءات الخاصة ككلّ.
يجب ألّا ندع بعض الاستثناءات تلقي بظلالها الثقيلة على إنجازات هامة حققتها الإجراءات الخاصة على مدار 50 عامًا منذ إنشائها. فالغالبيّة الساحقة من المكلّفين بولايات تتمتّع بالموضوعيّة، وتعمل بمسؤوليّة بما يمتثل بالكامل للإجراءات المؤسّسية ووفقًا لأساليب العمل المحدّدة.
تعمل لجنة التنسيق بالتعاون مع جميع الجهات المعنيّة كي تحسّن وتعزّز باستمرار نظام الإجراءات الخاصة. ونثق بحسن تقدير اللجنة. وعلى الدول أن تدعم هذا العمل. وقد أُنشِئَت الإجراءات الخاصة كي تزوّد الأمم المتّحدة ونظام حقوق الإنسان بأصوات مستقلّة وقويّة قادرة على طرح قضايا حقوق الإنسان، بما فيها تلك المعقّدة منها، على طاولة المناقشة. يجب أن نتعاون جميعنا كي ندافع عن هذا الهدف، ونضمن التنفيذ الكامل لتوصيات الخبراء المستقلّين.
أصحاب السعادة،
لقد أكّدنا أكثر من مرّة على أنّ الجهات التي تسعى إلى تحقيق منافعها على المدى القصير على الرغم من الأضرار التي تلحقها بأنظمة قيّمة تبحث عن سبل تحسّن من خلالها عالمنا، تعترض على التعدديّة من دون كلل أو ملل. وتشكّل منظومة الأمم المتّحدة هدفًا سهلاً للوم بطريقة أو بأخرى. وفي الوقت نفسه، تزداد حدّة التحدّيات الجديدة بينما تستمرّ التحدّيات القديمة والمتأصّلة في الاتّساع في نطاقها.
وبصفتنا من الجهات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، نحتاج إلى المساعدة كي نضع حدًّا للهجمات، ونواجه جميع التحديات القديمة والجديدة، ونستمرّ في العمل على تعميم حقوق الإنسان في نظام يتعرّض لضغوط خارجيّة، ويشارك في عمليّات إصلاح كبرى داخليّة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشكّل إصلاح العمليّات الإنمائيّة في الأمم المتّحدة فرصة لتعميم أولويّات حقوق الإنسان في جميع مراحل عمل الجيل الجديد من المنسّقين المقيمين وفرق الأمم المتّحدة القطريّة.
المخاوف المواضيعيّة
ننقل يوم الاثنين رسميًّا آخر المستجدّات إلى المجلس بشأن مجموعة واسعة جدًا من المخاوف في مجال حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. لكن لا يمكننا أن نذكر كلّ القضايا في خطاب واحد. لذا نودّ أن نثير اليوم عددًا من المخاوف المتجذّرة والشاملة. أوّلها المخاطر المتزايدة التي تهدّد حريات المجتمع المدني والقيود المفروضة عليه.
المجتمع الدنيّ
في الأشهر الأخيرة الماضية، خرج الناس في العديد من البلدان إلى الشوارع ليطالبوا بمزيد من الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمدنيّة والسياسيّة. هم يرغبون في تحصيل حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان هو الحقّ في المشاركة في صنع القرارات المتعلّقة بحياتهم ومستقبلهم.
تُبيّن التجربة أن أفضل طريقة للتصدي للاحتجاجات والمعارضة هي إطلاق حوار حقيقيّ وحر وشامل.
ولا يساهم استخدام القوّة غير الضروريّة وغير المتناسبة ضدّ أشخاص آراؤهم مختلفة إلاّ في تفاقم حدّة التوتر، كما يجعل الحلّ المستدام للأزمة أكثر صعوبة.
للناس الحقّ في التجمع السلميّ للتعبير عن آرائهم، والمطالبة بالتحرّك والمشاركة في حوار مع السلطات لإيجاد حلول.
ويسمح هذا الحقّ باعتماد سياسات أفضل، ويحقّق حكومة أكثر استجابة لمطالب الشعب، ومجتمعات أكثر ابتكارًا وثقة ومرونة وأمان. وعندما يُحرَم الشعب من هذا الحق، تتراكم المظالم، ويتزايد القمع، ما يمهّد لتفشّي التوتر والغضب المتفجّرَيْن.
تعتمد أعداد متزايدة من الدول قوانين تقيّد بشدة حقوق شعوبها في التجمع والعمل من أجل حقوقها. وتُفرض بعض القيود على التمويل، والبعض الآخر على تسجيل منظّمات المجتمع المدنيّ. كما يعاني الناشطون بسبب نشر معلومات كاذبة بشأنهم وتشويه سمعتهم باعتبارهم خونة، وبسبب إساءة استخدام النظام القضائيّ ومداهمة منظّمات المجتمع المدني مرارًا وتكرارًا، ومحاكمة الناشطين كمجرمين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم السياسيّة أو التجمع في المظاهرات. كما نشهد هجمات تنفّذها جهات فاعلة من غير الدول، بما في ذلك القتل، ولا يتم التحقيق فيها بشكل مناسب أو مقاضاة المسؤولين عنها.
أصبحت التكنولوجيا الرقميّة اليوم أساسيّة لجميع أنواع التفاعلات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة. والرقابتان العامة والخاصة في تطوّر مستمرّ، وذلك عبر كاميرات المراقبة والأنظمة التي تجمع وتحلّل نشاط الناس على وسائل التواصل الاجتماعيّ. ومن بين أشكال القمع الأخرى، استهداف منظّمات المجتمع المدنيّ بهجمات البرمجيّات الخبيثة، والمضايقة الرقميّة المدمّرة التي قد ترتكبها أيضًا جهات فاعلة حكوميّة. كما تُستَخدَم الرقابة الشديدة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، أو يُحظّر الوصول إليها كليًّا بهدف خنق التنظيم الاجتماعيّ والحوار المجتمعيّ.
يشير عملنا على مؤشّر أهداف التنمية المستدامة رقم 16.10 إلى أنّه في الفترة الممتدّة بين الأوّل من كانون الثانيّ/ يناير ونهاية تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018، قُتل ما لا يقل عن 397 شخصًا من مدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيّين ونقابيّين في 41 دولة. ولا يشمل هذا العدد حالات الاختطاف أو الاختفاء القسريّ أو الاحتجاز التعسفيّ أو التعذيب. فشهد كلّ أسبوع مقتل 8 أشخاص على الأقل لأنّهم كانوا يحاولون بناء مجتمعات أكثر شموليّة ومساواة، ما سجّل ارتفاعًا مثيرًا للقلق من متوسط بلغ ضحية واحدة في اليوم سُجِّل بين العامَين 2015 و2017.
وكان نصف هؤلاء الضحايا يعمل مع المجتمعات المحليّة على قضايا تتعلّق بالأرض والبيئة والفقر وحقوق الأقليّات والشعوب الأصليّة وتأثير أنشطة الأعمال التجاريّة.
هذه هي إحدى الأهداف الأساسيّة لشراكتنا المعزّزة حديثًا مع برنامج الأمم المتّحدة للبيئة. وفي ظلّ الموارد المحدودة للغاية، تسعى مفوضيّتنا إلى تكثيف العمل لضمان حماية أكبر لحقوق الإنسان للجميع في المجال الرقميّ. إلاّ أنّ الجهة الفاعلة الرئيسة المسؤولة عن حماية وتعزيز حقوق المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان هي الدولة. وهنا تكمن المساءلة. ومن مصلحة كلّ دولة أيضًا أن يكون حيّزها المدنيّ واسعًا وحرًا.
خطّة العام 2030
لا يمكننا التحرّر من الخوف والعوز بمعزل عن بعضنا البعض، بحسب ما تنصّ عليه بكلّ وضوح خطة العام 2030. أمّا النهوض بالحقّ في التنمية فيعني إعمال الحقوق المدنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة البالغة الأهميّة.
ولأوّل مرّة في تاريخ البشريّة، وبفضل التقدّم في مجال الصحّة والاقتصاد والعديد من المجالات الأخرى، أصبحنا نملك القدرة اليوم على استئصال الفقر المدقع والنهوض بالحماية الاجتماعيّة الشاملة والتغطية الصحيّة الشاملة. فكلفة عدم المبادرة إلى العمل أمست باهظة للغاية.
نعتبر أنّ خطّة العام 2030 تشكّل فرصة فريدة لنعزّز المبادئ التي وعد بها الإعلان بشأن الحقّ في التنمية وجميع حقوق الإنسان. ويمكن العمل الذي تقوم به الدول وجميع الشركاء الآخرين لتحقيق كلّ هدف من أهداف التنمية المستدامة أن يصبح أقوى وأكثر استنارة وأبعد مدى، لا بل ينبغي عليه ذلك.
نحن بحاجة إلى نُهُج متكاملة ترتكز على أوسع مشاركة ممكنة، تعتمد على عمل كثير من المجتمعات المتضافرة. والمشاركة والمساءلة المتساويتان عنصران أساسيّان يسمحان للنساء والأقليات والسكان المهمّشين بأن يستفيدوا من التنمية المستدامة.
نتطلّع إلى التزامكم في الاجتماعات الرفيعة المستوى المنعقدة خلال الأسابيع المقبلة ضمن إطار الجمعيّة العامة، وترجمة الوعود التي قطعتها الدول أمام شعوبها إلى إجراءات عاجلة، عبر العمل الفعليّ لا عبر الخطابات، بحسب ما طلبه الأمين العام.
القانون الإنسانيّ الدوليّ
تتعلّق المسألة العامة الثالثة التي لا بدّ من أن نطرحها اليوم بحقوق الأشخاص العاديّين أوقات النزاع. فاتفاقيّات جنيف تعبّر عن المبادئ التي يجب أن تكون مترسّخة في كلّ مجتمع بشريّ، وقد عرضها رئيس اللجنة الدوليّة السيد بيتر مورير على الشكل التاليّ: "عدم استهداف المدنيين
عدم ارتكاب الاغتصاب أو التعذيب أو الإعدام
عدم استهداف المستشفيات أو المدارس
عدم استخدام أسلحة غير قانونيّة
عدم تهديد من يقدّم المساعدة أو خطفه أو قتله."
هذه هي المبادئ التي نردّدها جميعنا باعتبارها صحيحة وعادلة.
ولكن لسوء الحظ، ينتهكها عمدًا عدد متزايد في الدول ومن الجهات الفاعلة من غير الدول في ظلّ صراعات اليوم.
ما من مبرّر مقبول لأعمال من مثل الضربات الجويّة المتكرّرة على المستشفيات، وتليها بدقائق قليلة ضربات على فرق الإنقاذ والمستجيبين الأوائل. وعندما تُشن الهجمات على تلك الخدمات الرئيسة بالذات بعد أن تم الإبلاغ عن موقعها لأطراف النزاع بهدف ضمان حمايتها بالتحديد، يتعرّض القانون الإنسانيّ الدوليّ للهجوم في صلبه.
إنّ عدد المدنيّين ضحايا الصراع المسلح في تزايد مستمرّ. ويسعى مؤشر أهداف التنمية المستدامة الخاص بالوفيات المرتبطة بالنزاع الذي تعمل حاليًّا مفوضيّتنا على إعداده، إلى توفير بيانات عالميّة واضحة وموثوقة بشأن هذه الظاهرة.
هذا المجلس مسؤول عن تعزيز احترام جميع حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة للجميع ودعمها على المستوى العالميّ. وعلينا أنّ نستخدم أكبر طاقة ممكنة كي نضمن المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان هذه الخطيرة والجسيمة.
تتعاون مفوضيّتنا تعاونًا وثيقًا مع إدارة عمليّات السلام كي تضمن احترام عمليّات الأمم المتّحدة للسلام حقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ وسياسة الأمم المتّحدة التي لا تسمح أبدًا بالاستغلال والاعتداء الجنسيَّيْن.
كما نساعد الدول على تعزيز أنظمتها المحليّة للتحقّق من عناصر القوّات التي تنتظر نشرها ضمن إطار بعثات الأمم المتّحدة، واستبعاد من يواجه ادّعاءات موثوقة بانتهاك حقوق الإنسان.
ونوفّر أيضًا خبراء في حقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ يدعمون تدريب قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة في البلدان الرئيسة المساهمة بالعناصر، على غرار إثيوبيا ورواندا والصين وأوروغواي. فقبل أسبوعَيْن، عملنا مع القوّات المسلّحة التابعة لرواندا والولايات المتّحدة ضمن إطار لجنة سمحت لضابطات بإطلاع القادة من 26 دولة على القيمة التشغيليّة لمزيد من النساء في قوّات حفظ السلام.
ونودّ في الختام أن نشدّد على النقاط التالية:
- إنّ جدول أعمال حقوق الإنسان هو جدول وقائيّ. فللعمل الذي نقوم به جماعيًّا ووطنيًّا القدرة على منع الأزمات والمعاناة.
- إنّ السبيل الأكثر فعاليّة لبناء ثقة الناس في الحكومة هو عبر الإصغاء أوّلاً ومن ثمّ المبادرة إلى العمل.
- الشراكة البناءة فعّالة، ويتجلّى العديد من الفرص من حولنا لإعادة التأكيد على أهميّة الحلول القائمة على حقوق الإنسان وفعاليّتها.
- في مواجهة المخاطر التي تهدّد السلام والتنمية، نحتاج إلى الوقوف معًا، ومساعدة بعضنا البعض كي نعزّز حماية حقوق الإنسان ونصون كرامة الإنسان وحريته.
- ستحمل دومًا مفوضيّتنا صوت الأشخاص الذين لا صوت لهم، من نساء ومهاجرين ومجتمعات مهمّشة وضحايا، وبطبيعة الحال صوت الناس العاديّين في جميع أنحاء العالم.
شكرًا سيّدي الرئيس.