Skip to main content

البيانات والخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

تورك يحيط مجلس حقوق الإنسان بآخر المستجدات

04 آذار/مارس 2024

مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك خلال الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة، المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ بيار ألبوي

أدلى/ت به

مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك

في

الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان

سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
أيها المندوبون الكرام،

نادرًا ما واجهَت البشرية هذا الكمّ الهائل من الأزمات المتصاعدة بوتيرة سريعة. سأركز أوّلاً في كلمتي على آفة الحرب وضرورة تحقيق السلام حتمًا، وثانيًا على الحيّز المفتوح اللازم لازدهار المجتمعات، لا سيما في هذا العام الانتخابي بامتياز.

تعصف موجة من النزاعات بحياة الناس وتدمر الاقتصادات وتلحق أضرارًا جسيمة بحقوق الإنسان وتقسم العالم وتقضي على الآمال في التوصل إلى حلول متعددة الأطراف.

ويستعر حول العالم 55 صراعًا. وتولّد الانتهاكات الواسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان آثارًا مدمرة على ملايين المدنيين. وقد بلغت أزمات النزوح والأزمات الإنسانية نطاقًا غير مسبوق. ولجميع هذه النزاعات أثر إقليمي وعالمي.

ويحوّل تداخل حالات الطوارئ هذه شبح امتداد النزاعات إلى حقيقة واقعة. فللحرب في غزة أثر متفجّر في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما يمكن للنزاعات في مناطق أخرى، بما في ذلك القرن الأفريقي والسودان والساحل، أن تتصاعد بشكل حاد. وتؤدّي العسكرة المتزايدة في شبه الجزيرة الكورية إلى تفاقم مستويات التهديد. وتثير الأزمة الأمنية المتدهورة في المقاطعات الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي يتناولها هذا المجلس في 3 نيسان/ أبريل، القلق البالغ. كما أن الاعتداءات في البحر الأحمر والبحر الأسود على حدّ سواء، تولّد موجات من الأزمات تهدّد نقل البضائع على المستوى العالمي، ما يزيد من المصاعب الاقتصادية التي تعاني منها البلدان الأقل نموًا.

نزاعات وحروب وعنف.

إنّ الحقّ في السلام هو أم حقوق الإنسان كافة. فمن دون سلام، يتمّ سحق جميع الحقوق الأخرى. ومن الملحّ والطارئ أن نبتكر سبلًا عاجلة لمواجهة إثارة الحروب والخوف وتصاعد الكراهية والعداء، التي تحقّق أرباحًا قصيرة الأجل لحفنة من الناس فيما تدمّر حياة الملايين وحقوقهم. نحن بحاجة إلى استعادة عقلية السلام. ما يعني فن التهدئة، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وإعادة بناء الثقة، والعمل الطويل الأمد على التعافي والمصالحة، أي إعادة ترسيخ الإحساس بالترابط والمصير المشترك للبشرية جمعاء.

لقد شهدنا نتائج مشاركة النساء والشباب في عملية صنع القرار، مشاركة صبورة وثابتة وقائمة على المبادئ، فضلاً عن منافع تمكينهم الهادف.

سيّدي الرئيس،

لقد تحدثتُ الأسبوع الماضي عن الأوضاع في ميانمار والسودان، حيث تؤدي النزاعات المسلحة الداخلية التي تتسم بالجرائم الوحشية، إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح أكثر من 11 مليون شخص وإلى أزمة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها.

كما أحطتُ المجلس علمًا بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي الواقع، أدت الحرب في غزة إلى امتدادات خطيرة طالت البلدان المجاورة، ويساورني قلق بالغ من أن أي شرارة في برميل البارود هذا قد تؤدي إلى امتداد الحرب على نطاق أوسع. ما قد ينعكس تداعيات خطيرة على كل بلدان الشرق الأوسط والعديد من البلدان الأخرى.

فالتصعيد العسكري في جنوب لبنان بين إسرائيل وحزب الله والجماعات المسلحة الأخرى يثير القلق البالغ. لقد قُتل 200 شخص تقريبًا في لبنان، ونزح نحو 90,000 شخص داخل البلاد، مع إلحاق أضرار جسيمة بالمرافق الصحية والمدارس والبنية التحتية الحيوية. ويجب إجراء تحقيق كامل في الهجمات التي قُتل خلالها مدنيون، بمن فيهم أطفال ومسعفون وصحفيون. كما نزح نحو 80,000 إسرائيلي من المناطق الحدودية في إسرائيل. ومن الضروري للغاية بذل كل جهد ممكن لتجنب امتداد الحرب على نطاق أوسع بعد.

في اليمن، تستهدف جماعة أنصار الله (الحوثيون) الشحن التجاري عبر البحر الأحمر، ما يعطل التجارة البحرية العالمية ويرفع أسعار السلع، مع ما يترتّب على ذلك من انعكاسات بالغة على البلدان النامية على وجه التحديد. وهناك خطر كبير من امتداد النزاع إلى اليمن نفسه، مع احتمال إلحاق أضرار جسيمة بالشعب اليمني الذي يعاني أصلاً من الأزمة الإنسانية الناجمة عن عقد من الحرب. أدعو من جديد إلى الإفراج الفوري عن موظفي الأمم المتحدة المحتجزين حاليًا بشكل تعسفي في صنعاء.

في سوريا، حيث لم يبرز حتى اليوم أي طريق واضح نحو سلام عادل ومستدام، يتصاعد الصراع من جديد بعد مرور 13 عامًا على اندلاع الحرب الأهلية الكارثية التي اتسمت بانتهاكات وتجاوزات مروعة لحقوق الإنسان. وقد وقعت أعمال عدائية في الآونة الأخيرة على طول العديد من ’خطوط التماس‘ بين الأطراف المختلفة، في المنطقة الشمالية من البلاد، بما في ذلك الغارات الجوية والقصف. ونساند الأمين العام في إنشاء مؤسسة مستقلة معنية بالأشخاص المفقودين في سوريا، التي ستمهد الطريق أمام الضحايا والناجين وأسرهم لمعرفة حقيقة ما جرى لأحبائهم.

سيّدي الرئيس،

في أوكرانيا، وبعد مرور عامين على الغزو الشامل الذي شنه الاتحاد الروسي، تحقّقت مفوضيتنا من مقتل أكثر من 10,000 مدني في أوكرانيا، مع إصابة عدد أكبر بكثير من الآخرين، والأرقام الفعلية أعلى من ذلك بأشواط. وفي الاتحاد الروسي، أفادت مواقع إلكترونية مفتوحة المصدر بمقتل 147 مدنيًا خلال الفترة نفسها. لكن بدلاً من إحراز تقدم نحو سلام مستدام، تصاعدت الأعمال العدائية من جديد في الآونة الأخيرة، حيث أدت الهجمات الصاروخية الروسية والهجمات بالطائرات بدون طيار إلى ارتفاع حاد في عدد الضحايا المدنيين في جميع أنحاء أوكرانيا. وفي الأراضي الأوكرانية المحتلة، وفي تكرار للعمليات التي سُجِّلَت في شبه جزيرة القرم المحتلة في العامين 2014-2015، فرض الاتحاد الروسي أنظمته القانونية والإدارية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، كما تؤدي التدابير القمعية إلى تفشي الخوف على نطاق واسع. وسأناقش هذه الأوضاع بمزيد من التفصيل في 28 آذار/ مارس.

في إثيوبيا، تم اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في تيغراي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بما في ذلك إنهاء الحكومة العمليات العسكرية ضد الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي وإنشاء إدارة إقليمية مؤقتة، وكما تمّ اتّخاذ خطوات أخرى نحو تحقيق العدالة الانتقالية الوطنية. وقد أوقفت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هجماتها على القوات الحكومية وسلمت الأسلحة الثقيلة. ومع ذلك، لا يزال الوضع الإنساني خطير للغاية، ولا يزال كلّ من غياب المساءلة واستمرار انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة القوات الإريترية والأمهرة، يشكل عقبات أمام تحقيق سلام دائم. ويستمر القتال بين الحكومة والجماعات المسلحة في كل من منطقتَي أمهرة وأوروميا، مع ما يترتب على ذلك من آثار خطيرة على المدنيين. وسوف تُصدر مفوضيتنا قريبًا تقريرًا في هذا الشأن.

في مالي، لا تزال حالة حقوق الإنسان تشكّل مصدر قلق بالغ، حيث تضاعفت الانتهاكات والتجاوزات تقريبًا في العام 2023، مقارنة مع العام 2022. وتزامنت هذه الزيادة مع استئناف الأعمال العدائية بين قوات الأمن والجماعات المسلحة، بعد انسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي. وتسيطر جماعتان مسلحتان على مساحات شاسعة في المنطقة الحدودية مع بوركينا فاسو والنيجر، وكذلك في منطقة تمبكتو التي تخضع أجزاء منها للحصار منذ آب/ أغسطس، ما يؤدّي إلى تفاقم المخاطر التي تهدّد حقوق النساء والفتيات. وفي حين أن الجماعات المسلحة هي المسؤولة عن معظم الانتهاكات الجسيمة، فقد تلقينا أيضًا ادعاءات موثوقة بارتكاب القوات المالية انتهاكات جسيمة، وأحيانًا برفقة عناصر عسكريين أجانب. وأدعو مالي إلى ضمان المساءلة.

تكثفت العمليات العسكرية في بوركينا فاسو، وتم نشر عشرات الآلاف من المعاونين لقوات الأمن، وأُعلنت حالة الطوارئ في 22 مقاطعة، فيما تدهورت الأوضاع الأمنية وحقوق الإنسان. وتتحمل الجماعات المسلحة المسؤولية عن معظم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما ورد من جديد في تقارير الأسبوع الماضي. وقد وثّقت مفوضيتنا أيضًا تصاعد الانتهاكات الجسيمة التي تورطت فيها قوات الأمن وجماعة متطوّعون لحماية الأمة. ويبدو أن حالات الاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي لمن يُعتقد أنهم من منتقدي السلطات الانتقالية آخذة في الازدياد. كما أعرب عن قلقي البالغ حيال التقارير التي تتحدث عن التجنيد الإجباري. وفي هذه الفترة الانتقالية، يبقى فتح المجال للنقاش مفتاح بناء مجتمع شامل للجميع وقادر على المواجهة والصمود في وجه الأزمات.

ويحدوني أمل كبير في أن تؤدي مفاوضات السلام الجارية بين أرمينيا وأذربيجان إلى نتيجة إيجابية مترسّخة في حقوق الإنسان. فمن أجل بناء الثقة وتحقيق المصالحة والسلام الدائمَيْن، يجب الاصغاء بكلّ صدق إلى أصوات الضحايا وأسرهم، بما في ذلك أولئك الذين فروا من منازلهم في أيلول/ سبتمبر 2023، وتلبية احتياجاتهم. ويجب معالجة العديد من المظالم التي استمرت على مدى عقود، من كلا الجانبين، ومفوضيتنا على أهبّ استعداد لدعم مثل هذه المبادرات.

في منطقة غرب البلقان، أعرب عن قلقي البالغ حيال استمرار التوترات بين صربيا وكوسوفو،[1] بما في ذلك أحداث العنف التي وقعت في شمال كوسوفو في أيلول/ سبتمبر 2023. وتبعث التطورات في البوسنة والهرسك على القلق أيضًا، مع التهديدات المتكررة بالانفصال، والاعتداءات على النظام الدستوري في البلاد، من قبل قيادة كيان جمهورية صربسكا. وتثير التهديدات المتزايدة للحيز المدني في ذلك الكيان نفسه، القلق بشكل خاص خلال هذا العام الذي يشهد انتخابات محلية، إذ أنها أعاقت عمل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. وبغية مواجهة الاستقطاب المتصاعد، وتعزيز المصالحة في جميع أنحاء غرب البلقان، من الضروري للغاية أن يتحدّث القادة السياسيون بوضوح عن حقيقة الجرائم الوحشية التي ارتُكبت في الماضي، بما في ذلك الإبادة الجماعية، وأن يتمّ تعزيز العدالة.

في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يؤثّر انتشار العصابات والجريمة المنظمة وعنفها تأثيرًا شديدًا على حياة الملايين من الأشخاص وحقوقهم، بما في ذلك في إكوادور وهايتي وهندوراس والمكسيك. وقد أدت الاستجابات العقابية والعسكرية في بعض الحالات إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ما قد يغذّي العنف ويؤجّجه أكثر بعد. وحدها السياسات القائمة على حقوق الإنسان قادرة على توفير حلول فعالة ومستدامة. ويجب التصدي للفساد والإفلات من العقاب وسوء الحوكمة والأسباب الجذرية الهيكلية للعنف، ومنها التمييز وعدم احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بمشاركة كاملة من المجتمع المدني والمجتمعات المحلية المتضررة. ويجب تعزيز التعاون الدولي بهدف التصدي للاتجار غير المشروع بالأسلحة وضمان المساءلة عن الجرائم العابرة للحدود الوطنية.

كما أن العنف المسلح بلغ مستويات مقلقة في عدد من بلدان منطقة البحر الكاريبي، بما في ذلك جامايكا، حيث أدى إلى إعلان حالة طوارئ بشكل متكرر. وأشيد بالجماعة الكاريبية لما تقوم به من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، ومكافحتها الاتجار بالأسلحة غير المشروعة، وجهودها الحثيثة الرامية إلى إنشاء مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في منطقة الجماعة الكاريبية. وسأتناول الوضع المقلق للغاية في هايتي بالتفصيل في 2 نيسان/ أبريل.

سيّدي الرئيس،

يمزّق الخوف المجتمعات في جميع أنحاء العالم، ويطلق العنان للغضب والكراهية. كما يغذيها موقف الفائز يحصل على كل شيء، الذي يصور الانتخابات على أنها من غنائم الفتوحات.

ومع عقد انتخابات في أكثر من 60 دولة، حيث يعيش نصف سكان العالم تقريبًا، قد يشكّل العام 2024 معلمًا تاريخيًا للمبادئ الديمقراطية. Demos، أي الشعب، وKratos، أي الحكم: فالديمقراطية عملية انتخابية هادفة وآمنة وتشاركية وكاملة، وتشكّل المفتاح لضمان أن يخدم الحكم حقوق الإنسان للشعب. لكن الديمقراطية أوسع من مجرد لحظة انتخابية فريدة تجري كل ثلاث أو أربع أو خمس سنوات. فهي تحيا، أو تموت، مع حق الشعب في المشاركة في إدارة الشؤون العامة باستمرار.

فتمكين الناس من جميع مناحي الحياة يشكّل بحدّ ذاته ’القوة العظمى‘ للمجتمعات التشاركية الحقيقية، لأنه يضمن الثقة في مؤسسات الحوكمة، مع اتخاذ قرارات أكثر أهمية وفعالية، لأنها أكثر استنارة وتوازنًا بين احتياجات مختلف الفئات.

ثلاثة أرباع أعضاء البرلمانات في العالم من الرجال. وعلى الصعيد العالمي، لا تزال المرأة، أي نصف السكان البالغين، محرومة من المشاركة والتمثيل السياسي على قدم المساواة مع الرجل، وبالمعدل الحالي للتقدم، لن يتحقق التكافؤ بين الجنسين في البرلمانات الوطنية قبل العام 2063. أحثّ جميع الدول على بذل المزيد من الجهود لمكافحة التمييز بين الجنسين والعنف ضد المرأة، وتفكيك شبكات القوانين والممارسات التي تبقي المرأة خارج السلطة.

وتتطلب الحوكمة الرشيدة رقابة ومساءلة مستمرتين، من خلال ضوابط وموازين مستقلة لممارسة السلطة، بمعنى أن تبقى مدعومة بكلّ حزم بسيادة القانون، بما في ذلك نظم العدالة المستقلة. كما أن الحريات الأساسية، ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، ضرورية للغاية.

والفساد أيضًا من التحديات الأساسية التي تهدّد الديمقراطية والحقوق. ويتمثل تأثيره الأساسي في تحويل عملية صنع القرار والموارد العامة من الصالح العام إلى المنفعة الخاصة، ما يولّد تفاوتات اجتماعية واقتصادية قد تكون واسعة النطاق لدرجة أنها تفرغ مؤسسات الدولة من أي معنى، وتجرّد الفقراء والمحرومين من حقوقهم في تحديد مستقبلهم.

وفي مناطق كثيرة من العالم، يتعمد العديد من السياسيين على تأجيج العداء وكره الأجانب لحشد التأييد، لا سيما في الفترات الانتخابية. وفي هذا الاندفاع المتهور للتخلي عن الصالح العام من أجل تحقيق منفعة شخصية قصيرة الأجل، فإنهم يمزقون مبادئ حقوق الإنسان الأساسية التي يمكن أن توحدنا جميعنا.

أبدي قلقي البالغ حيال حملات التضليل المكثفة المحتملة في سياق الانتخابات، التي يغذيها الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومن الحاسم للغاية اعتماد أطر تنظيمية صارمة لضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي التوليدي، مع التذكير بأنّ مفوضيتنا تبذل قصارى جهدها للنهوض بها.

سيّدي الرئيس،

الأوتوقراطية والانقلابات العسكرية هي نقيض الديمقراطية. فكل عملية انتخاب، حتى لو لم تكن كاملة، تشكّل محاولة للاعتراف رسميًا على الأقل بالتطلع العالمي إلى الديمقراطية. ومع ذلك، ففي ما يسمى بـ’الديمقراطية غير الليبرالية‘، أو كما أشار رئيس وزراء هنغاريا إلى بلاده بـ’الدولة غير الليبرالية‘، يتم الحفاظ على الهيكل الرسمي للانتخابات، ويتم تقييد الحريات المدنية، وتآكل الرقابة الإعلامية على الحوكمة من خلال تثبيت سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام الرئيسية، ويتم تقويض مؤسسات الرقابة المستقلة ومؤسسات العدالة بشكل كبير، ما يؤدي إلى تركّز السلطة في السلطة التنفيذية.

من الضروري أن ندرك أنه في العديد من الحالات، ستضمن العمليات الانتخابية المرتقبة هذا العام، انتقالاً سلسًا للسلطة بعيدًا عن الكراهية، كما أنّ هياكل الحوكمة التي ستنتج عنها ستحقق بشكل عام وظيفتها الرئيسية المتمثلة في تمثيل أصوات الشعب المتعددة والنهوض بحقوقه.

لكن في حالات أخرى، لدي مخاوف جدية بشأن سياق حقوق الإنسان الذي تُعقَد فيه العديد من الانتخابات.

في الاتحاد الروسي، كثّفت السلطات الروسية من قمعها لأصوات المعارضة قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري هذا الشهر. فقد تم منع العديد من المرشحين من الترشح، بسبب مخالفات إدارية مزعومة. وتأتي وفاة زعيم المعارضة أليكسي نافالني في السجن لتزيد من المخاوف الجدية بشأن اضطهاده. فمنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، واجه آلاف السياسيين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والأشخاص الذين عبروا بكلّ بساطة عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تهمًا إدارية وجنائية، ويبدو أن هذا الاتجاه قد تفاقم في الأشهر الأخيرة، حيث تم استهداف العديد من الشخصيات الثقافية. وقد صدر الشهر الماضي مشروع قانون جديد يعاقب الأشخاص المُدانين بنشر معلومات تُعتبر كاذبة عن القوات المسلحة الروسية، والأشخاص الذين يسعون إلى تنفيذ قرارات المنظمات الدولية التي "لا يشارك الاتحاد الروسي فيها". أحث على إجراء استعراض سريع وشامل لجميع حالات الحرمان من الحرية الناتجة عن ممارسة الحريات الأساسية، وكذلك على وضع حد فوري لقمع الأصوات المستقلة والمهنيين القانونيين الذين يمثلونها. فمستقبل البلاد مرهون بالحيّز المفتوح.

شكّلت الانتخابات التشريعية في إيران، التي جرت قبل ثلاثة أيام أول فرصة للإيرانيين للتصويت منذ احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" في العامَيْن 2022 و2023. وقد جرت في بلد يعاني من انقسامات عميقة بسبب قمع الحكومة لحقوق النساء والفتيات. فتعرض الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات للاضطهاد والسجن لفترات طويلة، وللإعدام حتّى في بعض الحالات. ومن شأن مشروع قانون "دعم الأسرة من خلال تعزيز ثقافة العفة والحجاب"، في حال اعتماده، أن يفرض عقوبات صارمة على أفعال لا ينبغي أن تعتبر أفعالاً إجرامية في أي بلد. وفي تواصلي المستمر مع السلطات الإيرانية، حثثتها على إجراء إصلاحات فورية لدعم حقوق جميع الإيرانيين، بما في ذلك حق المرأة في اتخاذ خياراتها الخاصة، وعلى وقف العمل فورًا بعقوبة الإعدام.

وفي تشاد، أتابع بقلق التطورات الأخيرة، بما في ذلك مقتل زعيم المعارضة. وأدعو إلى إجراء تحقيق شفاف ومستقل وفي الوقت المناسب في مقتله، كما أدعو إلى أن تحترم العملية الانتقالية في تشاد قبل الانتخابات المقبلة القانون الدولي لحقوق الإنسان احترامًا كاملاً.

في السنغال، تم إلغاء الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي بشكل مفاجئ. وعقب صدور حكم المحكمة الدستورية بوجوب إجراء الانتخابات "في أقرب وقت ممكن"، أعلن الرئيس أنه سيجريها. لقد تمّ تآكل الحيّز المدني في البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث أفادت التقارير باعتقال 1,000 شخص تقريبًا من المعارضة ومن النشطاء منذ العام 2021. وأُطلِق سراح العديد منهم بشروط، وأدعو إلى استعراض حالات جميع الذين لا يزالون محتجزين وإطلاق سراحهم، بمن فيهم شخصيات بارزة في المعارضة. وأشجع الحكومة على ضمان أن يشمل الحوار الوطني المقترح مشاركة حقيقية من أشخاص من جميع الأطياف السياسية.

في غانا، أعلن الرئيس أنه سيتنحى عن منصبه بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة في كانون الأول/ ديسمبر، بعد أن أكمل ولايته الثانية المحدودة بحكم الدستور. ما يمثل خامس عملية خلافة رئاسية في غانا منذ العام 1992، ويرسخ ريادتها من حيث احترام التحولات المؤسسية القائمة على القواعد. وقد أدّى المجتمع المدني في غانا دورًا أساسيًا في تعزيز المشاركة المدنية والسياسية في الشؤون العامة، بما في ذلك مكافحة الفساد. وفي الوقت نفسه، تزايدت القيود في السنوات الأخيرة، بما في ذلك المخاطر التي تهدد سلامة الصحفيين. كما تزايدت حالة انعدام الأمن في غانا، مع تصاعد التهديدات الأمنية الإقليمية التي تمتد عبر المناطق الشمالية على وجه التحديد.

من المتوقع أن تعقد رواندا انتخابات رئاسية وبرلمانية في تموز/ يوليو، على خلفية تحسن الرفاه الاقتصادي والاجتماعي على مدى عدة عقود، وسجلها المثير للإعجاب في مجال التمثيل السياسي للمرأة. أحثّ على اتخاذ خطوات سريعة لضمان الحريات الأساسية، إلى جانب إجراء تحقيقات حقيقية في مزاعم الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء والتعذيب والترهيب والاعتقالات التعسفية. فلا غنى عن هذه المبادرات كلّها من أجل خلق بيئة مؤاتية قبل الانتخابات.


في الصومال، يجري استعراض الدستور الاتحادي المؤقت، وأحثّ المشرعين على ضمان امتثاله التام لالتزامات الصومال الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان. لا يزال النزاع المدمر مستمرًا وقد أكد موظفونا مقتل ما لا يقل عن 500 مدني في العام 2023. إن حركة الشباب المسلحة هي المسؤولة عن العديد من عمليات القتل هذه، كما أنني أستنكر تجنيدها الأطفال واستخدامهم كمقاتلين. وأحثّ على إجراء إصلاحات لرفع القيود المفروضة على حرية التعبير وتهيئة مساحة مدنية نابضة بالحياة. ونظرًا إلى تحقيق الصومال شروط إطار عمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، فإنني أشجع على تخصيص المزيد من الموارد للتعليم والصحة والحماية الاجتماعية.

لشعب ليبيا الحق في حكم ديمقراطي حقيقي وقائم على المشاركة وخاضع للمساءلة. لكن، في حين أنه من المقرّر إجراء الانتخابات في ليبيا هذا العام، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي يذكر في ما يتعلق بالجهود العملية لضمان المصالحة، أو لإرساء المساءلة، بما في ذلك العدالة الانتقالية، أو إتاحة حيّز مدني واسع وحر وآمن. ولا بد من إحراز تقدم في جميع هذه المجالات من أجل إجراء انتخابات حقيقية، وبناء مؤسسات موحدة وشرعية.

في الهند، التي يبلغ عدد الناخبين فيها 960 مليون نسمة، فإنّ الانتخابات المقبلة فريدة من نوعها من حيث الحجم. وفي حين أنني أقدّر تقاليد البلاد العلمانية والديمقراطية وتنوعها الكبير، أعرب عن قلقي البالغ حيال القيود المتزايدة المفروضة على الحيز المدني، مع استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين ومن يُنظر إليهم على أنهم منتقدون، وحيال خطاب الكراهية والتمييز ضد الأقليات، لا سيما المسلمين. وفي الفترة التي تسبق الانتخابات، من الضروري للغاية توفير حيّز مفتوح يحترم مشاركة الجميع الفعالة. أرحب بقرار المحكمة العليا الذي صدر الشهر الماضي بشأن خطط تمويل الحملات الانتخابية، الذي يؤيد الشفافية والحق في الحصول على المعلومات.

في بنغلاديش، أعرب عن قلقي حيال آلاف قادة أحزاب المعارضة ونشطائها الذين لا يزالون رهن الاحتجاز، وحيال التقارير التي تفيد بوقوع عدد من الوفيات في الاحتجاز منذ تشرين الأول/ أكتوبر. وفي حين أنني أدين بأشدّ العبارات أي شكل من أشكال العنف السياسي، فإنني أحثّ على إجراء استعراض سريع لجميع هذه الحالات، والإفراج فورًا عن المحتجزين، وتشجيع الحوار السياسي والمصالحة. ولا يزال يساورني القلق حيال الادعاءات بأن النظام القضائي يُستخدم لمضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وقادة المجتمع المدني. وأشجع على إجراء تحقيق في حالات الاختفاء القسري المزعومة وعمليات القتل خارج نطاق القضاء، بما يتماشى مع المعايير الدولية.

وفي باكستان، أظهرت المشاركة الكثيفة في الانتخابات الشهر الماضي مدى تقدير الباكستانيين للديمقراطية ورغبتهم في إنهاء التدخل في الحكم المدني. فاحترام الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات أساسي لتعزيز الديمقراطية وحل التحديات الاقتصادية والإنمائية الطويلة الأجل. وأحث الحكومة الجديدة على وضع حد لاستخدام الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري بحقّ المعارضين السياسيين والصحفيين والأقليات وغيرهم، الذين يظل مكان وجودهم مجهولاً لأسابيع وشهور ولسنوات حتّى.

وفي المكسيك، تتزامن عدة عمليات انتخابية في شهر حزيران/ يونيو، حيث من المقرر انتخاب أكثر من 20,000 موظف عام، بما في ذلك رئيس الجمهورية، وجميع أعضاء البرلمان الاتحادي، ومجموعة واسعة من ممثلي الولايات والسلطات المحلية. يجب حماية هذه الممارسة الواسعة النطاق للحقوق السياسية والمدنية من العنف.

أما الأوضاع في فنزويلا، حيث من المقرر إجراء انتخابات رئاسية هذا العام، فنتعمّق في مناقشتها في 18 آذار/ مارس.

وفي بولندا، أعلنت الحكومة الائتلافية الجديدة عزمها على استعادة الحريات المدنية واستقلال المؤسسات التي تم إضعافها في السابق، وكذلك الحقوق الإنجابية، وإنهاء حظر الإجهاض الشبه الكامل في البلاد. أرحب بهذه الخطوات، وأؤكد على ضرورة القيام بذلك في عملية شاملة وقائمة على المشاركة، تعكس التزامات البلاد في مجال حقوق الإنسان.

في الولايات المتحدة الأميركية، وفي هذه السنة الانتخابية، من الضروري للغاية أن تنفذ السلطات على جميع المستويات التوصيات الأخيرة الصادرة عن لجنة الأمم المتّحدة المعنية بحقوق الإنسان لضمان أن يكون الاقتراع غير تمييزي ومتساوٍ وشامل. ويعترف الأمر التنفيذي الرئاسي لعام 2021 بأن السياسات غير المتناسبة والتمييزية وغيرها من العقبات الأخرى قد قيدت حق السكان المنحدرين من أصل أفريقي في التصويت، ويؤكد على ضرورة إلغاء هذه السياسات. ومع ذلك، ووفقًا لمركز برينان للعدالة، فقد أقرت 14 ولاية على الأقل في العام 2023 قوانين من شأنها أن تجعل التصويت أكثر صعوبة. وفي سياق الاستقطاب السياسي الحاد، من المهم التأكيد على المساواة في الحقوق، والقيمة المتساوية لصوت كل مواطن.

سيّدي الرئيس،

في أفغانستان، أشجب الانتهاكات المستمرة والمنهجية لحقوق الإنسان، لا سيما الانتهاكات الشاملة لحقوق النساء والفتيات، التي تستبعدهن من كل جانب من جوانب الحياة العامة، بما في ذلك التعليم الثانوي والعالي والتوظيف والتنقل. يجب أن يشكّل النهوض بحقوق النساء والفتيات أولوية قصوى لكل من يعمل على قضية أفغانستان وفي أفغانستان. كما أن الحريات المدنية والحريات الإعلامية لجميع الأفغان مقيدة بشكل كبير، حيث تعاني العديد من المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات من الاعتقالات التعسفية. كما أنّ استئناف عمليات الإعدام العلنية أمر مروع. ولا يزال القلق يساورني حيال الطرد القسري للأفغان من البلدان المجاورة، لا سيما أولئك الذين يواجهون خطر الاضطهاد أو التعذيب أو غير ذلك من الضرر الذي لا يمكن جبره في أفغانستان.

وفي الإمارات العربية المتحدة، تجري محاكمة جماعية أخرى استنادًا إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي يتعارض مع قانون حقوق الإنسان. ففي كانون الأول/ ديسمبر، تم توجيه تهم جديدة إلى 84 شخصًا، من بينهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون وآخرون كانوا يقبعون في السجون أصلًا. وكان العديد منهم قد أوشك على انهاء مدة عقوبته أو تم احتجازه تعسفًا بعد انتهاء مدة عقوبته. وتشكل محاكمتهم المشتركة ثاني أكبر محاكمة جماعية في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد القضية المعروفة بقضية "الإمارات 94" في العام 2021، وتشمل العديد من المتهمين الحاليين ذاتهم. ولا يزال يساورني القلق حيال الأنماط الأوسع نطاقًا لقمع المعارضة وتقييد الحيّز المدني في البلاد، وأحث الحكومة على استعراض القوانين المحلية بما يتماشى مع التوصيات الدولية لحقوق الإنسان.

يتواصل الحوار بين الصين ومفوضيتنا في مجالات مختلفة منها سياسات مكافحة الإرهاب والمساواة بين الجنسين وحماية الأقليات والحيز المدني والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفيما نمضي قدمًا في هذا الحوار، من المهم أن يسفر عن نتائج ملموسة، لا سيما في ما يتعلق بالمجالات السياساتية التي أثيرت خلال الاستعراض الدوري الشامل. وأقرّ بالتقدم الذي أحرزته الصين في التخفيف من حدة الفقر والنهوض بالتنمية، وقد حثثتها على أن يكون هذا التقدم مصحوبًا بالإصلاحات اللازمة لمواءمة القوانين والسياسات ذات الصلة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وخلال الاستعراض الدوري الشامل، أعلنَت الصين عن خطط لاعتماد 30 تدبيرًا جديدًا ترمي إلى حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك تعديل القانون الجنائي، وتنقيح قانون الإجراءات الجنائية. وتتطلع مفوضيتنا إلى العمل مع الصين في هذا الشأن؛ وأشجع بشكل خاص على مراجعة جريمة "افتعال المشاجرات وإثارة المشاكل" الغامضة الواردة في المادة 293 من القانون الجنائي، وأحث على إطلاق سراح المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين وغيرهم من المحتجزين بموجب هذا التشريع. كما أدعو الحكومة إلى تنفيذ التوصيات التي قدمتها مفوضيتنا وهيئات حقوق الإنسان الأخرى في ما يتعلق بالقوانين والسياسات والممارسات التي تنتهك الحقوق الأساسية، بما في ذلك في منطقتي شينغيانغ والتبت. وأتواصل مع سلطات هونغ كونغ بشأن المخاوف المستمرة المتعلّقة بقوانين الأمن القومي.

وفي السلفادور، أشجع الحكومة على دعم سيادة القانون وضمان الفصل بين السلطات وتعزيز الضوابط والتوازنات خلال فترة ولايتها الثانية. كما أدعو السلطات إلى توفير ظروف احتجاز تصون كرامة جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم، بمن فيهم أولئك الذين يواجهون فترات طويلة من دون محاكمة وعقبات تحول دون وصولهم إلى محامي الدفاع. إن حماية جميع السلفادوريين من الإجرام والعنف هدف مهم من أهداف حقوق الإنسان، ولا يمكن تحقيقه إلا عبر تدابير تستند إلى حقوق الإنسان. وأشجع السلطات على تمكين الناس من جميع الآراء ومن جميع المجتمعات، من المشاركة في صنع القرار.

وفي سياق الحيز المدني، اسمحوا لي أن أشير أيضًا إلى أن البيانات، حيثما توفرت، تُظهر أن العديد من الدول بحاجة إلى اعتماد تدابير شاملة لمكافحة عنف الشرطة والتمييز. فعلى سبيل المثال، يشير المسح المعنوَن أن تكون أسود في الاتحاد الأوروبي، الذي أجرته وكالة الحقوق الأساسية التابعة للاتحاد الأوروبي العام الماضي إلى أن 58 في المائة من الأشخاص الذين أوقفتهم الشرطة في العام السابق اعتَبَروا أن هذا الإجراء جاء بدوافع عنصرية، حيث سُجِّلَت أعلى المعدلات في ألمانيا وإسبانيا والسويد. ومنذ العام 2016، ازداد هذا التصور في الدنمارك وفنلندا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا. من المهم تحليل العوامل التي تكمن وراء هذه التصورات ومعالجتها. ولا تزال البيانات غير الحكومية الواردة من الولايات المتحدة والبرازيل تشير إلى مستويات عالية غير متناسبة من وفيات الأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي في سياق تدخلات الشرطة.

وفي العديد من البلدان، بما في ذلك في أوروبا وأميركا الشمالية، ويساورني القلق من التأثير المتزايد على ما يبدو لنظريات المؤامرة المعروفة "بالاستبدال العظيم"، القائمة على فكرة خاطئة مفادها أن اليهود والمسلمين والأشخاص غير البيض والمهاجرين يسعون إلى "استبدال" ثقافات وشعوب البلدان أو قمعها. وقد أثّرت هذه الأفكار الوهمية والعنصرية العميقة بشكل مباشر على العديد من مرتكبي أعمال العنف. وتهدف هذه الأفكار إلى جانب ما يسمى "الحرب على الووك"، التي هي في الحقيقة حرب على الادماج، إلى إقصاء الأقليات العرقية، لا سيما النساء من الأقليات العرقية، ومجتمع الميم من المساواة الكاملة. ليست التعددية الثقافية بتهديد، بل تشكّل تاريخ الإنسانية كما أنّها مفيدة للغاية لنا جميعنا.

أشجب الاعتداءات المتصاعدة ضد مجتمع الميم وحقوقه. فقد تم مؤخرًا توسيع نطاق التشريعات والسياسات التمييزية أو اعتمادها أو هي قيد النظر في كل من بيلاروس وبوركينا فاسو وغانا ولبنان والنيجر ونيجيريا والاتحاد الروسي وأوغندا وعدة ولايات في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر. كما أعرب عن أسفي للحكم الصادر مؤخرًا عن محكمة في سانت فنسنت وجزر غرينادين الذي أبقى على تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي ويعود إلى الحقبة الاستعمارية، وذلك استنادًا إلى حجج فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة وإلى قوالب نمطية ضارة.

فالاعتراف بحقوق مجتمع الميم هو تعبير عن المساواة وعن حق الجميع في العيش في مأمن من العنف والتمييز. وفي هذا السياق، أشيد بالخطوات المهمة نحو الاعتراف الكامل بحقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانية وأحرار الهوية والميول الجنسية وحاملي صفات الجنسَيْن في اليونان، وإلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي في أنتيغوا وبربودا وبربادوس وموريشيوس وسانت كيتس ونيفيس وسنغافورة خلال العامين الماضيين.

سيدي الرئيس،

يُبنى السلام ويتغذّى من الحقوق، شأنه شأن التنمية. ومن خلال دعم وتعزيز الطيف الكامل لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، يمكن للدول أن تصوغ حلولاً دائمة، بما أنّها تستجيب للحقيقة العالمية المتمثلة في مساواتنا ورغبتنا التي لا تنطفئ في الحرية والعدالة.

إن التاريخ هو سجل لقدرة البشرية على التغلب على أسوأ التحديات. ومن أعظم الإنجازات التي حققتها البشرية على مدى السنوات الـ75 الماضية الاعتراف بأن معالجة حقوق الإنسان في كل بلد، جميع حقوق الإنسان من دون أي انتقائية، تكتسي أهمية دولية.

شكرًا سيدي الرئيس.


[1]* يجدر فهم الإشارة إلى كوسوفو بحسب ما جاء حرفيًّا في قرار مجلس الأمن للأمم المتّحدة 1244 (1999).

الصفحة متوفرة باللغة: