البيانات والخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
المفوّض السامي: "فات الأوان" لمواءمة البلدان قوانين المناخ مع الالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان
28 أيّار/مايو 2024
أدلى/ت به
فولكر تورك، مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان
في
أمستردام، هولندا
وعد القانون الدولي في مواجهة الأزمات البيئية
جامعة كاليفورنيا، معهد لوس أنجلوس لوعد القانون في أوروبا
نتقدم بجزيل الشكر لمعهد وعد القانون بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وجميع الشركاء المنظمين على عقد هذه المناقشة في وقتها المناسب.
يقف العالم اليوم أمام مفترق طرق، ويواجه العديد من التحديات والريبة والشك. من نزاع متصاعد ومحتدم. وعدم مساواة مترسّخة. كما أنّ الانقسامات الجيوسياسية تؤدّي إلى تآكل الثقة وتحطيم إحساسنا بالإنسانية المشتركة في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى بعضنا البعض. وبالطبع، لم تعد أزمة كوكبنا الثلاثية الأبعاد المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث تشكّل تهديدًا مستقبليًا بائسًا، بل أمسى أثرها على الحياة وسبل العيش مدمّرًا في هذا المكان بالذات وفي هذه اللحظة بالذات.
تدركون تمامًا أنّه من دون اتخاذ إجراءات فورية وملموسة، سيتفاقم أثر الدمار البيئي على حقوق الإنسان بصورة مطردة.
وفي الواقع، يموت حاليًا 7 ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء وحده.
كما أن الظواهر المناخية المتطرفة التي لم يكن يُسمع بها من قبل في العديد من الأماكن، من موجات حر شديد وجفاف وفيضانات وأعاصير مدارية، أمست شائعة اليوم، وتُسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.
أمّا النظم البيئية بأكملها والنظم الغذائية والأشخاص الذين يعتمدون عليها فعلى شفير الانهيار.
وقد أكّد أمين عام الأمم المتحدة مؤخرًا أننا نشن حربًا انتحارية على الطبيعة.
والطريقة الوحيدة لتحقيق النجاح هي أن نتوقف وأن نحدث التغيير المطلوب.
تقدم حقوق الإنسان خارطة طريق، لا بل هي خارطة الطريق الوحيدة، لإحداث التغيير التحويلي الذي نحتاج إليه من أجل تحقيق السلام مع الطبيعة والحفاظ على كوكبنا ومستقبلنا.
إن إطار حقوق الإنسان عالمي. ويجبرنا على العمل.
ليس بدافع الخوف بل بدافع الالتزام بالحلول المتجذرة في العدالة والكرامة الإنسانية.
حلول من شأنها أن تتكلّل بالنجاح في الواقع.
احتفلنا العام الماضي بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقد صدرت هذه الوثيقة في أعقاب صدمة مروّعة وأهوال وحشية عالمية عميقة.
وقبل أن يعرف العالم بوقت طويل ما نعرفه اليوم عن خطر التغير المناخي.
إلا أن وعود الإعلان لا تزال تتمتّع بنفس القدر من الصدق والأهمية.
ففي خضم الأزمات العديدة التي تواجهنا، كان من المؤثر للغاية أن نتلقى مئات التعهدات التي قدمتها الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص في سياق الاحتفال بمبادرة حقوق الإنسان 75 في كانون الأول/ ديسمبر، ما يسلط الضوء جهارًا على قوة وإلحاح حقوق الإنسان كمحفز للتغيير.
ونتيجة المشاورات الثرية التي أجريت طوال العام الماضي، وضعتُ بيان رؤية بعنوان حقوق الإنسان: مسار للحلول . وتتمثل إحدى رسائله الأساسية في ضرورة ترسيخ العمل البيئي في حقوق الإنسان.
وأشرت أيضًا إلى العديد من الأولويات ذات الصلة المباشرة بمناقشاتكم، بما في ذلك النهوض المعياري بالحق في بيئة صحية، والمساءلة عن الأضرار البيئية، وعدم إمكانية مقاضاة التدابير الحكومية ومدى ملاءمتها لمنع هذه الأضرار، وتمكين الناس من ممارسة حقوقهم بأمان، والانتقال المنصف والعادل إلى اقتصادات ومجتمعات مستدامة.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
من المشجع أن البحث عن حلول لتغير المناخ مستمر بوتيرة سريعة. وقد ساهمت التطورات الرائدة في القانون الدولي على مدى السنوات الأخيرة مساهمة بارزة في هذا الصدد. ويبقى التحدي، كما هي الحال دومًا، في ترجمة الأقوال إلى أفعال.
إلاّ أنّ الكثير من التقدم العملي يشجّعنا في هذا السياق.
ففي العام 2022، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بحقيقة كنا نعرف أصلًا أنها دامغة، وهو أن لجميع الناس في كل مكان الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة.
ومنذ اعتماد القرار، استخدمته جمعية الأمم المتحدة للبيئة كمرجع، مع الإشارة إلى أنّها أعلى هيئة في العالم لصنع القرار في مجال المسائل البيئية. كما أدّى دورًا حاسمًا في نتائج المفاوضات الرئيسية المتعلقة بالمناخ والتنوع البيولوجي والمواد الكيميائية والقرارات القضائية. فعلى سبيل المثال، وجد القرار الأخير لمحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان انتهاكات واسعة النطاق للحق في بيئة صحية لمجتمع لا أورويا في بيرو نتيجة عدم كفاية تنظيم مجمع المناجم والمصاهر.
وقد اعترف حتّى اليوم 83 في المائة تقريبًا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رسميًا بالحق في بيئة صحية في قوانينها المحلية.
وتجري حاليًا مناقشات بشأن الحق في بيئة صحية في الهيئات الإقليمية، على غرار مجلس أوروبا ورابطة أمم جنوب شرق آسيا، تحمل في طياتها إمكانية النهوض بفهم مشترك لهذا الحق وتعزيز آليات تنفيذه وإنفاذه.
وهذه الجهود بالغة الأهمية. فمن الممكن أن توضّح وتسهل إعمال الحق في بيئة صحية وأن توفر أساسًا لمساءلة الحكومات وقطاع الأعمال التجارية عن الأضرار البيئية.
وعلى الرغم من عدم التوصّل إلى تعريف متّفق عليه عالميًا للحق في بيئة صحية، إلا أنه من المفهوم عمومًا أنه يشمل عددًا من العناصر منها: الهواء النظيف، والمناخ الآمن والمستقر، والحصول على المياه المأمونة والصرف الصحي الملائم، والغذاء الصحي والمنتج بشكل مستدام، والبيئات غير السامة التي يمكن العيش والعمل والدراسة واللعب فيها، والتنوع البيولوجي الصحي والنظم الإيكولوجية الصحية، والحصول على المعلومات، والوصول إلى العدالة، والحق في المشاركة في صنع القرار. والعديد من هذه العناصر هي حقوق في حد ذاتها.
والأهم من ذلك كلّه هو أنّ الحق في بيئة سليمة يربط بإحكام بين القانون البيئي وقانون حقوق الإنسان، ويجمع بينهما بشكل وثيق، ويوفر طريقًا لإيجاد حلول للناس والكوكب على حد سواء. بمعنى أنه يتغلب على التشرذم الذي شكّل موضع نقاش في مجتمع القانون الدولي وفي الأوساط الأكاديمية.
وقد خلص الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ إلى أن النهج القائم على الحقوق في العمل المناخي يؤدي إلى نتائج أكثر استدامة وفعالية.
وتبرز أيضًا طلبات متزايدة لاستقاء آراء استشارية تتعلق بتغير المناخ من المحاكم الإقليمية والدولية.
وقد سعى شباب من منطقة المحيط الهادئ بالتعاون مع حكومة فانواتو وتحالف من أصحاب مصلحة متعددين، كي تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية توضيح التزامات الدول القانونية وفي مجال حقوق الإنسان في ما يتعلق بتغير المناخ. وتتداول المحكمة حاليًا بهذا الشأن.
وقد أطلق طلب من حكومتَي شيلي وكولومبيا عملية مماثلة أمام محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان.
خلال الأسبوع الماضي وحده، أصدرت المحكمة الدولية لقانون البحار رأيًا استشاريًا بشأن تغير المناخ، حيث وجدت أن انبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ تشكل تلوثًا بحريًا وأنّه على الدول التزام ملزم بالحد من ارتفاع درجة الحرارة بما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية. ووصفت المحكمة التغير المناخي بأنه يشكل تهديدًا وجوديًا يولّد مخاوف في مجال حقوق الإنسان.
وقبل شهر ونيّف، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمًا لصالح مجموعة من النساء السويسريات قلن إنهن معرضات لخطر الموت بسبب موجات الحر نتيجة ضعف السياسات الوطنية في مجال المناخ. وقد خلص الحكم إلى أنّه على الدول التزامات واجبة النفاذ في مجال حقوق الإنسان بشأن تغير المناخ في ما يتعلق بالحق في الحياة الخاصة والحياة الأسرية والمنزل. كما رأت المحكمة أنه يمكن الطعن في كفاية التدابير الحكومية لمعالجة الأضرار الناجمة عن تغير المناخ أمام المحاكم الوطنية. ويُعتبر هذا القرار إنجازًا بارزًا في جميع دول مجلس أوروبا، ومن المرجح أن يؤثر على المحاكم في مناطق أخرى.
يعكس هذا الكم المتزايد من الاجتهادات القضائية إدراكًا بأن أزمة المناخ هي في الواقع أزمة في مجال حقوق الإنسان.
أزمة ما زلنا لا نبذل ما يكفي من الجهود بغية وضع حدّ لها.
ولكن قوة التقاضي الاستراتيجي في إحداث تحولات كبرى في سياسات وممارسات الحكومات والأعمال التجارية واضحة.
وتتابع مفوضيتنا جميع هذه الإجراءات عن كثب، وتتدخل في الحالات الأساسية. وأنا فخور بأننا نشكّل جزءًا من هذه الحركة التي تُعتبر محورية لمستقبلنا المشترك.
وأود أن أشكركم جميعًا على عملكم الدؤوب من أجل تعزيز الوضوح الأخلاقي والسياساتي والقانوني وتعزيز المساءلة.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
إن أزمة المناخ، شأنها شأن العديد من الأزمات، غير عادلة إطلاقًا، وتؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء والمهمشين في العالم وتطلق العنان لأخطر آثارها في البلدان والمجتمعات التي لم تساهم فيها إلا بالقليل القليل، وغالبًا ما تفتقر إلى الموارد الكافية للتصدي لها.
وعلى وجه التحديد، غالبًا ما تؤدي آثار التدهور البيئي إلى إدامة العنصرية التاريخية والمستمرة، والتمييز والظلم المتجذرين في موروثات الاستعباد والاستعمار.
لهذا السبب، من الضروري أن تأخذ السياسات المناخية في الحسبان التمييز العنصري وغيره من أشكال التمييز وعدم المساواة وتكافحها.
ومع ذلك، نشهد ما يُعرَف بـ’مناطق التضحية‘، حيث تُجبر المجتمعات الفقيرة أو المهمشة على تحمل عبء التلوث الصناعي بشكل غير متناسب إلى حد كبير، ما يسمح بشكل أساسي للنمو الاقتصادي وتحقيق الأرباح بالتغلب على حقوق السكان وصحّتهم.
نرى الشعوب الأصلية، منذ الحقبة الاستعمارية وحتى اليوم، محرومة من التمتع الكامل بحقها في التنمية وفي معارفها التقليدية وفي أراضيها وأقاليمها ومواردها، على الرغم من أنها تؤدّي دورًا حاسمًا اليوم أكثر من أي وقت مضى في حماية النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي.
وتشكل الآراء الاستشارية المعلقة بشأن تغير المناخ فرصة ممتازة لتعزيز واجبات الدول الواضحة في حماية حقوق الإنسان لجميع الناس، بمنأًى عن أي تمييز، من آثار أزمة المناخ المدمّرة.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
لقد فات أوان مواءمة البلدان قوانين وسياسات المناخ مع التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
فضمان الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة يتطلّب أيضًا أن نستخدم الأدوات التي يوفرها القانون، بما في ذلك القانون الجنائي، على نحو أوسع نطاقًا لمعالجة الأضرار البيئية.
لقد أيدْتُ الدعوة إلى إدراج جريمة الإبادة الإيكولوجية ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأرحب بقيام مكتب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا بإطلاق عملية تشاورية بشأن مقاضاة التدهور البيئي من خلال الإطار الحالي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتُبيّن هذه الخطوات جليًا ضرورة اعتبار الجرائم البيئية متساوية بآثارها على الناس مع آثار الجرائم الوحشية الأخرى.
لكن لا بدّ من بذل المزيد من الجهود لمنح العدالة البيئية قوّة أكبر. وينبغي أن يتحمل المسؤولون عن تدمير البيئة بشكل متعمد وكيدي المسؤولية المناسبة، بما في ذلك في شكل جنائي، على المستوى الوطني.
اتخذ البرلمان الأوروبي مؤخرًا خطوة ملحوظة نحو تجريم التدهور البيئي. فقد اعتمد توجيهًا يلزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات وجزاءات جنائية على أي شخص يتسبب في تدمير البيئة أو في إلحاق أضرار بيئية واسعة النطاق وبالغة.
وأمام الدول الأعضاء سنتان لترسيخ القواعد في قوانينها الوطنية.
ومن شأن هذا الاعتراف بالجرائم البيئية، بما في ذلك جريمة الإبادة الإيكولوجية، من قبل النظم القانونية الدولية والإقليمية والمحلية أن يعزز المساءلة عن الأضرار البيئية.
ومن شأنه أيضًا أن يلمس الناس ويخاطب إحساسهم بالعدالة الأساسية، وأن يبيّن لهم أنّ العنف ضد البيئة يتسبب بأضرار جسيمة تؤذي صالحنا المشترك.
ومن شأنه أن يشكّل رادعًا سلوكيًا، بما في ذلك بالنسبة إلى الشركات فتتوقّف عن الممارسات التي تتسبب بأضرار بيئية.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
غالبًا ما تكمن وراء الأزمات البيئية أسباب متعددة ومتنوعة تحاكي آثارها. ما يستدعي اتباع نهج متعددة ومتنوعة لتحقيق العدالة البيئية.
وكمثال على ذلك، طلب مجلس حقوق الإنسان، في قراره 51/35، من مفوضيتنا دعم جهود حكومة جزر مارشال الرامية إلى إدماج العدالة الانتقالية في استراتيجيتها النووية الوطنية. وكما تعلمون، لا يزال شعب جزر مارشال يعاني من الآثار الضارة للنفايات النووية والإشعاع والتلوث الناجم عن 67 تجربة للأسلحة النووية أجريت على جزره، بما في ذلك التشرد والآثار الطويلة الأجل على الصحة والرفاه.
وتساعد عمليات العدالة الانتقالية البلدان على معالجة موروثات الانتهاكات والتجاوزات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان.
وتهدف إلى ضمان المساءلة، وتحقيق العدالة للضحايا والمجتمعات المتضررة، ومنع الانتهاكات والأذى في المستقبل.
ولعل الأهم من ذلك كلّه هو أنها تضع الضحايا والمجتمعات المحلية المتضررة في صميم الجهود المبذولة، ما يضمن مشاركتهم بشكل هادف في القرارات والإجراءات التي تؤثر عليهم.
وقد أكد أمين عام الأمم المتحدة مؤخرًا القدرة التحويلية للعدالة الانتقالية، التي تؤثّر بشكل إيجابي في حياة الناس ومستقبلهم.
وأعتقد اعتقادًا راسخًا أن العناصر الأربعة الرئيسية للعدالة الانتقالية يمكن أن تكون مناسبة أيضًا لمعالجة الأزمات البيئية والانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان التي غالبًا ما تتسبب بها.
فالعنصر الأول من عناصر العدالة الانتقالية هو الحقيقة التي تخول الضحايا والمجتمعات المحلية المتضررة والجمهور البحث عن جميع المعلومات المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان والحصول عليها، بما في ذلك الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة، مثل البيانات المتعلقة بتغير المناخ وأسبابه وآثاره. كما ينبغي لمبادرات البحث عن الحقيقة أن توفر منبرًا للمجتمعات المتضررة من أجل تبادل خبراتها وأولوياتها وشواغلها. ولسوء الحظ، غالبًا ما يتم إنكار الحقيقة كما رأينا مثلًا في حملات التضليل التي ينفّذها لوبي الوقود الأحفوري.
والعنصر الثاني للعدالة الانتقالية هو العدالة في حد ذاتها، سواء من خلال مساءلة الدول والشركات والأفراد والجهات الفاعلة المسؤولة الأخرى فرديًا أو جماعيًا.
والعنصر الثالث هو جبر الضرر، الذي قد يشمل تدابير فردية وجماعية وقد يتخذ أشكالاً مختلفة، سواء كانت مالية أو مادية أو رمزية. فجبر الضرر ينطوي بموجب القانون الدولي، على رد الحقوق، مثل إعادة الأراضي والموارد وسبل العيش إلى الضحايا والمجتمعات المحلية المتضررة، والتعويض عن الأضرار التي يمكن تقييمها اقتصاديًا، وإعادة التأهيل بما في ذلك تقديم الدعم الطبي والنفسي والعقلي، فضلاً عن الخدمات القانونية والاجتماعية، والترضية التي تشمل مجموعة واسعة من التدابير، منها المبادرات الرمزية، مثل الاعتراف والاعتذار والاحتفالات التذكارية وتكريم الضحايا وقبول المسؤولية عن الضرر البيئي.
أمّا العنصر الرابع للعدالة الانتقالية فهو ضمان عدم التكرار. وهو عنصر تطلعي بطبيعته، ويهدف إلى منع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان. ولا بدّ أيضًا من إجراء إصلاحات مؤسسية وتشريعية وسياساتية، فضلاً عن إصلاحات في مجالي التعليم والثقافة، من أجل معالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمات البيئية وما يتصل بها من انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
في حين أن جبر الأضرار التي وقعت في الماضي أمر أساسي للمساءلة، علينا أيضًا أن نتطلع إلى المستقبل.
ما يعني تصميم تدابير فعالة لمنع الانتهاكات المستقبلية.
يسعى الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان إلى تفكيك الأسباب الجذرية والعوائق الهيكلية التي تحول دون تحقيق المساواة والعدالة والاستدامة.
ويكفل أن تسترشد نماذج الأعمال والسياسات الاقتصادية بمعايير حقوق الإنسان، وأن تُرسِّخ الناس والكوكب في صميمها.
ويساهم أيضًا في تعزيز التوزيع العادل للموارد، ما يخفّف من عدم المساواة داخل البلدان وفي ما بينها.
ولا يسعني أن أؤكد بما فيه الكفاية على ضرورة أن تفي جميع الدول بالتزاماتها العالمية في مجال تمويل المناخ، بما في ذلك التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه ومنع الخسائر والأضرار الناجمة عنه.
لا بل يجب أن تتجاوزها.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، علينا أن نحوّل اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.
وكنقطة انطلاق، يسلط تقرير مفوضيتنا الأخير بشأن تغير المناخ والحق في الغذاء، الضوء على كيفية تحويل السياسات الاقتصادية، بما في ذلك المساعدات المالية وخدمة الديون والهياكل الضريبية، بطريقة تضمن أن يدفع الملوثون ثمن الأضرار البيئية التي يتسببون بها. كما يقدم أمين عام الأمم المتحدة تقريرًا جديدًا بالغ الأهمية بشأن حقوق الإنسان والخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ. نحن بحاجة إلى مواصلة تعزيز هذا النقاش والنهوض به.
بموجب قانون حقوق الإنسان، فإن المسؤولين عن أزمة المناخ ملزمون قانونًا باتخاذ التدابير اللازمة لوقف آثارها على حقوق الإنسان والتخفيف منها ومعالجتها. لقد كان العلم واضحًا منذ فترة طويلة، ما ينعكس عواقب قانونية على صناع السياسات والقادة السياسيين.
أيّها الزملاء الأعزّاء،
إن مناقشاتنا هنا وفي المنتديات الأخرى ذات الصلة ضرورية لإحداث التغيير الذي نحتاج إليه جميعنا.
يجب أن تسترشد جميع هذه الجهود مباشرة بمعارف الضحايا والمجتمعات المتضررة.
فتجارب ومظالم الناس الأكثر تضررًا من أزمة المناخ تبث الحياة في الأطر القانونية.
كما يكشف واقعهم عن الأخطاء التي يجب تصحيحها وكيف يمكننا أن نفعل ما هو أفضل بعد.
الناس مهمّون. وقصصهم وأفكارهم مهمة. والقضايا والحلول التي يقدمونها مهمة.
والحقائق والمعارف مهمة.
ولكل الناس الحق في الوصول إلى المعلومات والحق في الاستفادة من العلم وتطبيقاته.
ولا يمكننا حماية البيئة من دون اتخاذ تدابير فعالة تضمن حصول أولئك الذين يعانون مباشرة من أسوأ آثار أضرارها على المعلومات والعدالة والانتصاف الفعال، وربما الأهم من ذلك بعد، على مكان لسماع قصصهم ومطالبهم واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها.
وشكرًا.