البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
المرأة والعمل
التمكين الاقتصادي
27 أيلول/سبتمبر 2018
فخامة الرئيسة غريباوسكاوتي،
حضرة الأمين العام،
أصحاب السعادة،
أيها الزملاء والأصدقاء الكرام،
نودّ أن نستهلّ كلمتنا بشكر الرئيسة غريباوسكاوتي على استضافتها هذا الحدث. فعندما توليّنا رئاسة جمهوريّة شيلي، طرحَتْ علينا يومًا صحافيّة السؤال التاليّ: "كيف ستتدبّرون أمركم يا فخامة الرئيسة ولا رجل لديكم؟" صحافيّة هي لا صحافيّ.
ندرك جميعنا هنا كم من الصعب أن نتخطّى الحواجز التي تعترض وصول المرأة إلى سدّة القيادة. ونهنّئ الرئيسة غريباوسكاوتي على القدوة التي تقدّمها، من خلال تعزيز مشاركة المرأة في الأنشطة السياسيّة والاقتصاديّة. فقد تخطّى اليوم عدد النساء في البرلمان في ليتوانيا عددهنّ منذ ثلاث سنوات بثلاثة أضعاف: تهانينا الحارة.
وليس السؤال المطروح اليوم على المناقشة خلال اجتماعنا هذا، إنّ كنّا قادرين على تحمّل كلفة إشراك المرأة بالكامل في الحياة الاقتصاديّة، بل هو هل يمكننا أن نتحمّل كلفة عدم إشراكها فيها.
وتشير الأبحاث إلى أنّ المرأة تقدّم مساهمة في إجماليّ الناتج المحليّ العالميّ قد تصل إلى 28 تريليون دولار مع حلول العام 2025، في حال تمكّنت من المشاركة مشاركة كاملة في الاقتصاد العالميّ. ما يمثّل زيادة بنسبة 26 في المائة مقارنة مع سيناريو بقاء الأمور على حالها – وهي زيادة ملحوظة للغاية في عصر الأزمات الاقتصاديّة هذا، وفي ظلّ الجهود التي نبذلها من أجل تنفيذ خطة العام 2030.
ويفتح تمكين المرأة المجال واسعًا أمام الإمكانات الاقتصاديّة على جميع مستويات المجتمع – انطلاقًا من الدولة، مرورًا بالشركات الخاصة والمؤسّسات الحكوميّة، وصولاً إلى المرأة فرديًّا وإلى أسرتها ومجتمعها.
وتُلْحِقُ عدم المساواة بين الجنسَيْن الأضرار بالمجتمع ككلّ. إن على مستوى الصحّة، أم العمر، أم المشاركة أم التمثيل، هو واقع مفروغ منه لا يتحمّل أيّ جدل أو منازع. ومن الواضح أن التصدي للتمييز ضد المرأة يمكن أن يكون محركًا قويًّا يُحدث الكثير من النتائج الإيجابيّة.
ولكنّ الأمر يتخطّى ذلك بأشواط. فبعيدًا عن النمّو "الاقتصادي" بحدّ ذاته، يبقى تأثير تمكين المرأة على حقوق الإنسان ساحقًا.
قبل سبعين عامًا، أَعلَن الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان أنّ "جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق". وهذه الكلمات، البسيطة جدًا بطبيعتها، هي أيضًا عميقة جدًا- إن كرّسنا لحظة لنفكّر فيها. فقيمتنا جميعنا متساوية. وحقّنا في الحريّة متأصل بكلّ واحد منّا – حقّنا في التحرّر من الخوف والعوز، وفي حريّة الاختيار بأبسط أشكالها، بما في ذلك حرية اتّخاذ القرارات المتعلّقة بحياتنا الشخصيّة.
تؤدّي استقلاليّة المرأة وخياراتها وحقوقها إلى نمو اقتصادي أكبر: الأمر بديهيّ بما أنّ المرأة تشكّل نصف سكان العالم. وهو نمو أكثر استدامة أيضًا، بما أنّ ركائزه أوسع نطاقًا ومنافعه أكثر تجذّرًا.
لكنّ تمكين المرأة مهم أيضًا لأن المرأة مهمّة وخياراتها مهمة. وعلينا ألاّ ننسى أبدًا أن نركّز على هذا الجانب. ولا يمكننا تمكين المرأة والفتاة إلا إن احترمنا حقوق الإنسان للمرأة وحميناها وحقّقناها.
لقد شهدنا العديد من التحولات البارزة في هذا المجال خلال العقود الأخيرة. فقد أدّت تغيّيرات ملحوظة في القانون، في العديد من البلدان، إلى تمكين المرأة. وبالنسبة إلى الملايين من النساء – لا كلّهنّ بالطبع– توسّع نطاق الخيارات المتاحة والحقوق الفعليّة توسّعًا هائلاً.
لم نبلغ الكمال بعد بكلّ تأكيد، والوضع ليس بسهل أبدًا: فالنضال مؤلم في بعض الأحيان، ونحن ندرك ذلك شخصيًّا. ولكنّ حقوق المرأة، في كل مكان، وفي جميع المجالات، في تقدّم مستمرّ.
ولكن، لا تزال حواجز هائلة تعيقنا.
فوفقًا للبنك الدوليّ، إن 2.7 مليار امرأة في جميع أنحاء العالم محرومات بحكم القانون من الحصول على الوظائف نفسها التي يتمتع بها الرجل. وفي 18 بلدًا، يستطيع الأزواج بحكم القانون أن يمنعوا زوجاتهم من العمل. كما تفرض بلدان أخرى قيودًا تمييزيّة على المرأة والفتاة، بما في ذلك على مستوى الوصول إلى حقوق الملكيّة، ومعاشات التقاعد، والرعاية الاجتماعيّة والقروض. وهذا الأمر مستغرب لأنه من المعروف أن المرأة تسدّد قروضها أفضل من الرجل.
يمكننا الإشادة بعدد من الأمثلة عن الممارسات الجيّدة. ففي الشهر الماضي، أعلنت تونس أنّها ستّتخذ الخطوات اللازمة لتضمن المساواة الكاملة بين الجنسَيْن في الميراث، وأصبحت بالتاليّ أوّل دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقوم بذلك. كما أعلنت الحكومة التونسيّة عن عزمها تعديل التشريعات بطريقة تيسّر وصول العمّال الزراعيين، ومعظمهم من النساء، إلى التأمين الصحيّ ومعاشات التقاعد. وما إن تدخل هذه الخطط حيّز التنفيذ حتّى تُمكِّن العديد من التونسيّات - وكل المجتمع.
تعتمد مواجهة العقبات التي تعترض تمكين المرأة اقتصاديًّا، على إجراء إصلاحات تغطّي مجموعة كبيرة جدًّا من القضايا. ولا بدّ من بذل المزيد من الجهود من أجل ضمان حق المرأة والمراهقة في الصحة، بما في ذلك وصولهما إلى المعلومات والخدمات المتعلّقة بالصحة الجنسيّة والإنجابيّة. كما أنّ إمكانات المرأة على المستوى الاقتصاديّ تتقلّص تقلّصًا ملحوظًا بسبب حالات الحمل غير المقصودة، وتردّي الصحة الجنسيّة والإنجابيّة، ومحدوديّة وصولها إلى خدمات تنظيم الأسرة. وتُستَبعد المرأة أيضًا بسبب الوصمة المستمرّة المتعلّقة بالحيض والرضاعة الطبيعيّة وانقطاع الطمث.
يجب أن يكون من الواضح جدًّا أنّه في حال لم نتمكّن من تحسين تنظيم الأسرة، والقضاء على حالات وفيّات الأمهات التي يمكن تفاديها، وضمان الوصول إلى وسائل منع الحمل، ومنع زواج الأطفال والخطوات وغير ذلك من الخطوات المهمّة الأخرى، لن نتمكّن من تحقيق الهدف 5 - وهو المساواة بين الجنسَيْن وتمكين جميع النساء والفتيات – و لا حتّى خطة العام 2030 عامةً.
فلنعرض عليكم مثالاً آخر. لا تأخذ النماذج الاقتصاديّة الحاليّة في الاعتبار الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي - على الرغم من أن الاقتصاد المحددّ رسميًّا لا يمكنه أن يستمر من دون إنجاز أحدهم هذا العمل. ولتيسير مشاركة المرأة في الاقتصاد المنظّم، لا بدّ من تخصيص حصّة أكثر توازنًا وتكافؤًا لأعمال الرعاية والمسؤوليّات المنزليّة غير المدفوعة الأجر. وتبقى البرامج مثل إجازة الوالدَين أو ساعات العمل المرنة أو برامج رعاية الأطفال أساسيّة في هذا المجال.
ولكن لإحداث هذه التغييرات، علينا أن نجري أيضًا تحوّلات عميقة في المفاهيم المكتسبة للذكورة والأنوثة، التي تعيق مشاركة المرأة الكاملة في المدرسة، وفي الأحياء، وفي السياسة وفي المجتمع وفي المنزل.
نحن بحاجة إلى المزيد من التحاور حول مجموعة كاملة من قضايا تؤثر على حقوق المرأة واستقلاليّتها. نحن بحاجة إلى سياسات قويّة تأخذ بعين الاعتبار واقع المرأة والفتاة، وإلى إشراكهما في هذه المحادثات – لا سيّما المرأة والفتاة اللتَيْن تنتميان إلى المجموعات المهمشة والمستبعدة.
أصحاب السعادة،
نشهد اليوم للأسف، وفي العديد من البلدان، مقاومة قويّة لبنود أساسيّة على جدول الأعمال الخاص بحقوق المرأة. ففي العديد من الدول، تجلّى الكثير من المحاولات لسنّ قوانين أو اعتماد تغييرات في السياسات تهدف إلى السيطرة على حريّة المرأة في اتّخاذ القرارات الخاصة بحياتها الشخصيّة أو الحدّ منها.
وكما هي الحال دائمًا، إن مَن يدفع أبهظ ثمن عند اعتماد هذه السياسات هو أكثر النساء والفتيات تهميشًا.
يجب أن يكون النضال من أجل تحقيق المساواة والكرامة والحقوق للمرأة – تمامًا كما الآخرين - ثابتًا وفاعلاً. ويجب أن يتقدّم كلَّ ما نقوم به وأن يشكّل محوره. ويجب أن يعتمد على المبادئ، وأن يبرز بكلّ وضوح وأن يكون وافرًا.
لا لأنّ تمكين المرأة هو هدف أساسيّ وجوهريّ من خطة التنمية المستدامة للعام 2030 فحسب– بما أنّه يساهم مساهمة هائلة في كلّ من التنمية والتنمية المستدامة على حدّ سواء.
لا لأن تمكين المرأة يؤدّي إلى النمو الاقتصادي، والعديد من الفوائد الأخرى للمجتمع كلّه فحسب.
بل أيضًا لأنّ هذا هو ما تعنيه عبارة "يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق". فالجميع معنيّ.
وحقوق المرأة متأصّلة في حقوق الإنسان. وعدم تمكين المرأة وحرمانها من حقوقها – أو رفض تمكينها ومنحها حقوقها – يقوّض خيارات الملايين من البشر وحريّتهم. هو أعظم ظلم في عصرنا.
لمناسبة الذكرى 70 لاعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، يشرّفنا أن نعلن، بصفتنا مفوّضة الأمم المتّحدة السامية، أنّ الوقت قد حان لتمكين المرأة – وذلك لأسباب لا تُحصى ولا تُعَدّ. ونحن مقتنعون كلّ الاقتناع بأنّ تحقيق ذلك ممكن.
شكرًا، مع كامل تطلّعنا إلى مناقشاتكم.