البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
اجتماع الخبراء الرفيع المستوى الصندوق العالمي للحماية الاجتماعية
22 أيلول/سبتمبر 2020
بيان مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
ميشيل باشيليت
في 22 أيلول/ سبتمبر 2020
معالي وزيرة العمل والتوظيف والإدماج في فرنسا، السيدة إليزابيث بورن،
حضرة مدير عام منظمة العمل الدولية، السيد غاي رايدر،
أوليفر
أصحاب السعادة،
صباح الخير. أشكركم على ترحيبكم الحار بي. اسمحوا لي أن أقتبس في مستهلّ كلمتي امرأة مميّزة لا تزال تلهمني. فقبل خمسة عشر عامًا، ذكّرتنا سيمون فيل بأنّ "تاريخ الحماية الاجتماعية بُني مدماكًا تلو المدماك، وبإرادة رجال ونساء رغبوا حقًّا في أن يبنوا معًا التضامن الذي ورثناه."
ها قد حان دورنا اليوم كي نتصرف كأسلاف صالحين نرعى الحماية الاجتماعية الحيوية التي ورثناها.
وكما تذكرنا سيمون فيل، لقد تمّ إحراز تقدم في تعزيز الحماية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم خلال القرن الماضي. لكنّ أغلبية سكان العالم لا يتمتّعون بعد، وبكلّ ما للكلمة من معنى، بحقّ الإنسان في الحماية الاجتماعية. فـ71 في المائة من الناس على قيد الحياة اليوم لا يتمتّعون بأي تغطية للضمان الاجتماعي، أو أنّ التغطية التي حصلوا عليها جزئية وغير ملائمة. ومنهم ثلثَي أطفال العالم. كما أنّ المرأة التي تشغل وظائف في الاقتصاد غير المنظّم، غالبًا ما تُحرم من الحماية الاجتماعية، و6 من بين كل 10 نساء يضعن طفلاً لا يتلقين أي مساعدة نقدية على الإطلاق.
والوباء الذي نعيشه اليوم والركود المتزايد الذي يرافقه، يضربان بشدّة هؤلاء الأشخاص الضعفاء. ويسلّط الوباء أيضًا الضوء على قيمة الحماية الاجتماعية في حماية الناس من الأزمات المؤقتة، وفي مساعدتهم على النهوض من جديد، وبالتالي على تعزيز مرونة مجموعة واسعة من العمليات الاقتصادية واستدامتها، فضلاً عن المساعدة في التخفيف من التوترات الاجتماعية التي قد تمزق النسيج الاجتماعي.
فالحماية الاجتماعية تبني اقتصادات سليمة ومجتمعات صحية. ويمكنها أن تشكّل أيضًا، في سياقنا اليوم، أدوات حياتيّة أساسيّة ومستدامة تمكّن من الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وتحمي الحق في السكن والغذاء، وتقي الناس من الفقر المدقع. وتبرز أدلة كثيرة على أن عدم احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمكن أن يساهم في تفشّي العنف والنزاعات. ومن خلال حماية هذه الحقوق الأساسية، تساهم الحماية الاجتماعية في استعادة الرأي العام ثقته في المؤسسات وتضمن السلام الاجتماعي.
وبناء تلك الحماية الاجتماعية هو الخطوة الذكيّة في الاتّجاه الصحيح.
كما أنّها في متناول الجميع. ففي العام 2017، بيّنت منظمة العمل الدولية أن خطة الحماية الاجتماعية الشاملة التي تقدّم مخصّصات لجميع الأطفال، واستحقاقات الأمومة لجميع النساء، وتعويضات لجميع الأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة، ومعاشات تقاعد شاملة تكلّف ما يعادل 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأيّ بلد نام.
وحتى في أوقات الأزمات، ولربّما لا سيّما في أوقات الأزمات، تعتبر أنظمة الحماية الاجتماعية من الاستثمارات الصغيرة نسبيًا التي تحقق أرباحًا طائلة.
يناقش اجتماع اليوم مبادرة تهدف إلى تسريع عمليّة بناء أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة في البلدان حول العالم، من خلال حشد وتنسيق وتوجيه التعاون والمساعدة من وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والدول المانحة.
وقد يكون الصندوق العالمي للحماية الاجتماعية الذي اقترح إنشاءه المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع التابع لمجلس الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، مع منظمة العمل الدولية، دافعًا أساسيًا لهذه الجهود الحثيثة، من خلال توجيه المبالغ المطلوبة والمكمّلة من المصادر الدولية نحو الموارد الوطنية المخصصة لتدابير الحماية الاجتماعية.
أعتبر أنّه من الضروري للغاية أن يضمن الصندوق العالمي المقترح للحماية الاجتماعية الملكية الوطنية لأنظمة الحماية الاجتماعية. وكما هي الحال مع حقوق الإنسان الأخرى، فإن مسؤوليّة توفير إطار عمل وطني فعال يعزّز حق الإنسان في الضمان الاجتماعي تقع على كاهل كل دولة.
وفي موازاة ذلك، لكل دولة مصلحة في شمل الجميع من دون أيّ استثناء. لقد أكّد كوفيد-19 هذه الرسالة من جديد، فنحن لسنا بأمان حقيقةً إلاّ عندما نكون جميعنا بأمان. كما أنّ مساعدة البلدان الأقل نموًا على تعزيز شبكات الأمان فيها من الاستثمارات السليمة.
يجب تحديد مصادر تمويل هذا الصندوق العالمي منذ البداية. ومن بين الاحتمالات التي نوقشت العام الماضي خلال أسبوع الحماية الاجتماعيّة الذي تنظّمه منظمة العمل الدولية، تعزيز الضرائب العالمية على الشركات، وتوجيه تلك الأموال نحو آلية تمويل.
وأشير أيضًا إلى أنني أرى أنّه لا يجب إنفاق الموارد على إنشاء كيان جديد، لا بل يجب أن نعتمد على هياكل الأمم المتحدة القائمة فتعمل كوحدة تمويل لهذه المبادرة.
وأشجع الدول قبل كلّ شيء، على تخصيص الحد الأقصى من الموارد المتاحة للنهوض بحقّ الإنسان في الحماية الاجتماعية، في الداخل والخارج على حد سواء. وضمن إطار هذه الجهود، من المهم للغاية مكافحة التمييز، بما في ذلك التمييز بين الجنسين، وحماية الأشخاص الأكثر تهميشًا. ففي العديد من المجتمعات، لا تلحظ سياسات الحماية الاجتماعية العبء غير المتكافئ الملقى على كاهل المرأة، نتيجة أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر.
والنساء الأكبر سنًا معرّضات للخطر أكثر من غيرهنّ: فالرعاية غير المدفوعة الأجر التي يضطلعن بها طوال حياتهن يعيق قدرتهنّ على الوصول إلى العمل المنظّم وبالتالي إلى الضمان الاجتماعي القائم على المساهمة أو الأجور اللائقة، ما يعرّضهن لخطر الفقر المدقع عندما يتقدّمن في السن. ويجب أن تهدف سياسات الحماية الاجتماعية إلى تصحيح هذا الخلل وضمان ألاّ تقوّض أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر حقوق الإنسان للمرأة.
ولاستحداث الحيّز المالي الضروري للنهوض بالحماية الاجتماعية، ومكافحة عدم المساواة والتمييز، أحثّ السلطات على النظر في إمكانيّة فرض ضرائب تصاعدية، وتعزيز القدرة على تحصيل الضرائب، ومكافحة التهرب الضريبي، والتصدي للفساد الذي يستنزف موارد الدولة ويهدّد المصلحة العامة.
وأتمنّى لكم مناقشة مثمرة لهذه القضيّة وغيرها من القضايا الأساسيّة الأخرى.