لا مفرّ من العودة: إجبار المهاجرين في ليبيا على القبول بالعودة ’الطوعية‘
02 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
ذات الصلة
أخبر لامين* قائلاً: "تمّ نقلي إلى السجن. ولكن حتى في تلك اللحظة لم أفكر أبدًا في العودة. ثم دخل عدد من العناصر إلى السجن وفي يدهم عصا وانهالوا على المحتجزين يضربونهم كالحيوانات. كما أخذوا أموالنا وملابسنا المرتّبة. حتّى أنهم كسروا لي أسناني. لذا قبلت بالعودة." لامين مهاجر محتجز في ليبيا أُعيد إلى بلده الأصلي غامبيا.
وقصته ليست بحالة منعزلة.
فمنذ العام 2015، تمت إعادة أكثر من 60,000 مهاجر من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية عبر أفريقيا وآسيا من خلال برامج ’المساعدة على العودة‘، بما في ذلك ما لا يقل عن 3,300 غامبي.
وحلّل تقرير جديد صدر عن مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بعنوان لا مفرّ من العودة: المساعدة على العودة وإعادة الإدماج وحماية حقوق الإنسان للمهاجرين في ليبيا الثغرات في حماية حقوق الإنسان في سياق المساعدة على العودة من ليبيا.
ويأتي هذا التقرير ضمن إطار مشروع أوسع نطاقًا تنفّذه المفوضية من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي يتعرّض لها المهاجرون في ليبيا، وتسليط الضوء عليها. وهو يرتكز على تقارير مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان السابقة ويكمّلها، بما في ذلك تجاهل قاتل، وجائحة الإقصاء، وغير آمن ومهين.
وخلال إطلاق التقرير، دعت نائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ندى الناشف ليبيا إلى وضع حدّ فوري للانتهاكات المُرتَكَبة بحق المهاجرين، وحثت جميع الدول على تعزيز وصول المهاجرين المحاصرين في ليبيا إلى مسارات الهجرة الآمنة والنظامية.
وأضافت قائلة: "يتطلّب هذا الوضع اليائس من جميع الأطراف المعنية عدم إجبار أي مهاجر على قبول المساعدة على العودة إلى وضع غير آمن أو غير مستدام في بلده الأصلي."
مجبرون على العودة
في حين أن ’مساعدة المهاجرين على العودة‘ إلى بلدانهم الأصلية هي طوعية من حيث المبدأ، توصل التقرير إلى أن المهاجرين في ليبيا غالبًا ما يُجبرون على القبول بالمساعدة على العودة في ظلّ ظروف قد لا تفي بالقوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وقد لا يكون العديد من عمليات المساعدة على العودة من ليبيا طوعية فعلاً في غياب الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة.
وأخبر إبريما* قائلاً: "لم أقرر بنفسي أن أعود. فقد تم اعتقالي في البحر واقتيادي إلى السجن. ثمّ زارني مسؤولون من الأمم المتحدة وأخذوا منّي كافة معلوماتي الشخصية. وتم ترحيلي من السجن إلى غامبيا. (...) لم يعطوني أي معلومات بشأن العودة، بل أعلموني فقط بأنهم سيرحلونني. لم يخبروني علام وقّعت. لم أكن أعرف." وإبريما* من بين المهاجرين الـ65 الذين قابلتهم مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان الذين أعيدوا مؤخرًا إلى غامبيا وأدرجت شهادتهم في التقرير.
وأشار التقرير إلى أنّه غالبًا ما يُجبر المهاجرون على قبول المساعدة على العودة هربًا من بيئة يعمّها الإفلات من العقاب، ومن ظروف احتجاز تعسفية والتهديد بالتعذيب وسوء المعاملة والعنف الجنسي والاختفاء القسري والابتزاز، وما إلى ذلك من انتهاكات وتجاوزات أخرى لحقوق الإنسان. وقد جدت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا أن المهاجرين في ليبيا يواجهون أزمة في مجال حقوق الإنسان تشير إلى وقوع جرائم ضد الإنسانية.
وحذر التقرير من أنه "بمجرد وصول المهاجرين إلى ليبيا، يواجهون خطر التعرض بشكل منهجي وروتيني للتجريم والتهميش والعنصرية وكره الأجانب، كما يواجهون مجموعة واسعة من انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان يرتكبها كل من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء." وفي مقابل ذلك، ما من طرق آمنة ومنتظمة لدخول المهاجرين المحاصرين في ليبيا إلى بلدان ثالثة والبقاء فيها.
وأخبر عمر* قائلاً: "لقد أُجبرت على العمل لبضعة أشهر بينما كنت في مركز احتجاز في طرابلس. وعندما رفضت العمل بسبب الإرهاق، تعرضت للضرب حتى طلبت إعادتي إلى العمل. فتم نقلي إلى خارج السجن حيث نظفت الطرقات والمنازل، وعملت في المزارع ولم أتقاضَ أي أجر. وبالكاد حصلت على طعام ولكن لم يعطوني أي مياه صالحة للشرب. وعندما عرضوا عليّ العودة وافقت. أردت أن يتوقّف الضرب والعمل الشاق." وعمر من المهاجرين الذين تمت مقابلتهم في سياق الإعداد لهذا التقرير.
ونتيجة لذلك، لا يجد العديد من المهاجرين خيارًا أمامهم سوى العودة إلى نفس الظروف التي دفعتهم إلى مغادرة بلدانهم في المقام الأول.
العودة إلى المرحلة صفر... أو إلى ما هو أسوأ من ذلك حتّى
وجد التقرير أن العديد من المهاجرين في ليبيا يُجبرون على العودة إلى نفس الظروف غير المستدامة التي ربما دفعتهم إلى الهجرة في المقام الأول، مثل الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي المستمر، بما في ذلك نتيجة الآثار السلبية لتغير المناخ، وعدم الحصول على عمل لائق وعدم الوصول إلى خدمات الصحة والتعليم، وتفكك الأسرة ومستويات المعيشة السيئة والحرمان من الحق في التنمية. ويأتي ذلك بالإضافة إلى مواجهة أعباء شخصية ومالية ونفسية واجتماعية نتيجة فشل مشروع الهجرة والصدمة الشديدة التي عانوا منها في ليبيا.
وأخبر مومودو* قائلاً: "لقد فقدت كل الأموال التي جمعتها عائلتي لتسديد تكاليف رحلتي ثم تعرضت للضرب على يد الحرّاس في السجن (...) ففقدت إحدى عيني. عدت اليوم إلى ’مرحلة الصفر‘ وأرزح تحت أعباء الديون والكوابيس". ومومودو من المهاجرين الذين تمّت مقابلتهم. كما أكّد المهاجرون أنه لم يتمتّعوا بفرص التماس العدالة والتعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان التي عانوا منها.
ويواجه الكثير من المهاجرين صعوبات كبرى في الاندماج في بلدانهم ومجتمعاتهم الأصلية ويفكرون في الهجرة من جديد، على الرغم من إدراك المجازفات والظروف المحفوفة بالمخاطر التي من المحتمل أن تواجههم.
ودعا التقرير السلطات الليبية والبلدان الأصلية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وكيانات الأمم المتحدة وأصحاب المصلحة الآخرين المعنيين إلى ضمان أن تتوافق سياسات وممارسات المساعدة على العودة مع القانون والمعايير الدولية وأن تدعمها، بما في ذلك مبدأ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة وأن يتم تزويد العائدين بالدعم الكافي لإعادة الاندماج بشكل مستدام في بلدانهم الأصلية، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان التي يتمتعون بها.
*غُيِّرَت جميع الأسماء لحماية هوية الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم